لا تستطيع (إسرائيل) إخفاء الخلافات القائمة بين رأسي حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وبني غانتس، بينما تسود بعض التخوفات من إمكانية تسويتها بتصعيد عسكري على الجبهات الشمالية والجنوبية، إلا أن ثمة معطيات تدفع الاحتلال للتراجع عن ذلك.
ولطالما دفع الفلسطينيون ثمن الخلافات الإسرائيلية الداخلية على مدار سنوات الصراع، من خلال الحروب والتضييق عليهم، في كافة مناطق تواجدهم بالضفة وغزة والداخل المحتل، من خلال سلسلة قرارات عنجهية وعنصرية في غالب الأوقات.
وفي الوقت الحالي فإن الحديث المتكرر لقيادة الاحتلال عن جبهة غزة باعتبارها أكثر الجبهات هشاشةً وإمكانية اشتعالها في أي لحظة، ربما يُخفي رغبةً في تسوية الخلافات بين رأسي الحكومة على أرض غزة.
وفي المقابل، فإن المقاومة الفلسطينية لا تزال تؤكد أن خياراتها مفتوحة لإنهاء الحصار القائم على القطاع، وخصوصا مع تردي الوضع الصحي نتيجة تفشي فيروس كورونا في القطاع خلال الأشهر القليلة الماضية.
ولم تكتفِ المقاومة بالحديث الإعلامي، بل إن ثمة إشارات واضحة أطلقت من غزة على مدار الأسابيع الماضية، تكفي لأن تدفع الاحتلال للتفكير مليًا قبل الدخول في تصعيد مع غزة، والاتجاه نحو تلبية مطالبها، لأنه يمثل أقصر الطرق للحيلولة دون المواجهة العسكرية التي يتحضر لها الطرفان.
وفي حين أن سياسة أحد رأسي الحكومة غانتس الذي يشغل منصب وزير الحرب لم تختلف كثيرا عن سابقيه على مدار السنوات الماضية، ما يبقى صورة الردع مهزوزة كما ينقلها الإعلام الإسرائيلي لصالح المقاومة الفلسطينية.
المؤشرات السابقة تتزامن مع عدم اتجاه نتنياهو إلى الوصول لتسوية سياسية مع غزة، ليصبح المشهد رماديًا كما هو عليه منذ سنوات.
وفي التعقيب على ذلك، يقول الدكتور أحمد رفيق عوض المختص في الشأن (الإسرائيلي) إن (إسرائيل) اعتادت تدفيع الفلسطينيين ثمن خلافاتها، وفي العين منها غزة، التي لطالما نالت نصيبا بالغا من هذا الثمن.
وأضاف عوض في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أنه لا يمكن استبعاد قيام (إسرائيل) بتصعيد معين ضد غزة مع اختلاف حجمه وشكله ومضمونه خلال الفترة المقبلة، إلا أن ثمة معطيات تقلل من فرص وقوعه بالشكل الذي ترغبه (إسرائيل) كما كل مرة.
وأوضح أن الوضع الإقليمي لا يساعد (إسرائيل) على القيام بحرب عسكرية جديدة مع غزة في ظل جو التطبيع الذي يغزو الأجواء العربية، وكذلك الوضع الدولي نتيجة تغيير الإدارات الأمريكية من ترامب إلى بايدن، بالإضافة إلى الوضع الداخلي في غزة المتمثل بالحصار وكورونا والبطالة وغيرها.
وأشار إلى أن تطور قوة المقاومة أهم المعطيات التي تعمل لها (إسرائيل) حسابا عند التفكير في شن حرب ضد غزة، وهذا يظهر من التجارب الصاروخية، والطائرات المسيرة، وإطلاق صواريخ من غزة فشلت القبة الحديدية في التصدي لها، ذلك كله يمكّننا من القول بملء الفم أن التصعيد مع غزة مكلف جدا لـ(إسرائيل)، وبالتالي ستعيد حساباتها كثيرا قبل الدخول فيه.
وبيّن أن غزة باتت كشوكة الحلق، فلا (إسرائيل) قادرة على ابتلاعها من خلال القضاء على المقاومة فيها وإعادة احتلالها، ولا إخراجها من خلال تسوية سياسية، ستدفع (إسرائيل) ثمنًا باهظًا من خلالها، وعلى حساب الرصيد السياسي لمن يوقع عليها.