لا يرقى موقف الفصائل الفلسطينية، وضمنها حركة حماس، لمستوى الخطورة التي ينطوي عليها إعلان سلطة محمود عباس استئناف التعاون الأمني مع الاحتلال؛ والذي جاء تحديدا في الوقت الذي كانت تلتقي هذه الفصائل في القاهرة بممثلي حركة "فتح" في إطار ما يعرف بـ "جهود المصالحة".
الاكتفاء بـ "التنديد" و"الرفض" وخلع الأوصاف على هذا الجرم دون بلورة استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة مخاطر ذلك، يعني أن هذه الفصائل، وضمنها حماس، ستتحمل تبعات ما أقدم عليه عباس.
لكن قبل الخوض في سرد ما يتوجب عمله ردا على قرار عباس البائس، فإن من الأهمية بمكان استعراض ما يعكس خطورته.
قرار عباس يمثل إقرارا واضحا وجليا بأن ما أقدمت عليه نظم الحكم العربية التي سارعت للتطبيع مع الاحتلال وأسهمت في تحسين قدرته على المس بالقضية الوطنية الفلسطينية، بات يحظى بدعم عباس وسلطته.
والدليل على ذلك أن عباس سارع بُعيد الإعلان عن استئناف التعاون الأمني إلى إعادة سفيريه في كل من الإمارات والبحرين.
إلى جانب ذلك، فإن استئناف التعاون الأمني (الذي يشك في أنه قد توقف أصلا) يضفي صدقية على كل التوقعات السابقة من أن عباس يوظف "جهود المصالحة" لشراء الوقت حتى تتبين نتيجة الانتخابات الأمريكية، بحيث أنه في حال أسفرت عن فوز المرشح الديموقراطي، فإنه سينكص على عقبيه ويعلن براءته من هذه الجهود.
في الوقت ذاته، فإن تهافت عباس في حرصه على استرضاء بايدن أكبر مما يمكن تصوره؛ حيث أنه، كما كشفت قناة كان الصهيونية، أرسل رسالة لفريق الرئيس الأمريكي المنتخب يتعهد فيها بـ "بمحاربة التحريض في مناهج التعليم" الفلسطينية وعدم الانضمام للمنظمات الدولية وذلك لتطمين (إسرائيل) أن السلطة لن تلاحقها على جرائم الحرب التي نفذتها وتنفذها؛ إلى جانب تعهده بـ "إصلاح نظام" دفع المخصصات المالية للأسرى والجرحى وعوائل الشهداء.
وعلى الرغم من أنه لم يتم إيضاح ما يقصده بهذا "الإصلاح" فإنه يرجح أنه يقصد الاستجابة لبعض شروط (إسرائيل) بشأن حرمان أسرى وجرحى وعوائل شهداء من المخصصات.
وإزاء ما تقدم، فإن الفصائل الفلسطينية، وتحديدا حركة حماس بوصفها أكبر هذه الفصائل، ستتحمل المسؤولية عما يرتكبه عباس من خطايا، في حال لم تتبن استراتيجية شاملة تهدف إلى إسدال الستار على عباس وزمرته ونزع الشرعية عنها بشكل مطلق.
الرفض الشعبي الواسع وإجماع الفصائل باستثناء "فتح" على رفض خطوة عباس يدل بشكل لا يقبل التأويل على أنه يتوجب التوقف عن ترديد معزوفة "طرفي الانقسام"، فالانقسام بات بين عباس وزمرته والشعب الفلسطيني بأسره.
وهذا يستدعي من الفصائل وتحديدا حماس، التوقف نهائيا عن استئناف "مهزلة جهود المصالحة"، مع العلم أن عباس لم يعد معنيا بها حاليا؛ لأن مجرد الانشغال بهذا المسار العبثي يعني إضفاء شرعية وطنية على الخطايا التي يرتكبها وستكون أيضا باسم الفصائل التي تتحاور معه.
وفي الوقت ذاته، يتوجب أن تنصب الجهود حاليا على بلورة استراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى إسدال الستار على حقبة عباس وزمرته، لأن بقاءه على مسرح الأحداث سيكون مرتبطا بمزيد من الانهيارات على الموقف الفلسطيني.
وما لم تقدم الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حماس على هذا التحرك، فإنها ستكون شريكة في توفير البيئة التي تسمح لعباس بمواصلة استهداف قضية شعبنا.