بعد أسبوعين على قرار إعادة العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي وعودة التنسيق الأمني، بدأ رئيس السلطة محمود عباس جولة خارجية هي الأولى منذ انتشار جائحة كورونا، تشمل مصر والأردن.
وتأتي الزيارة في الوقت الذي تعيش فيه القضية الفلسطينية أصعب أوقاتها وظروفها في ظل متغيرات إقليمية ودولية معقدة.
المتغير الأهم بالنسبة للسلطة الفلسطينية هو قرب مغادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب البيت الأبيض بعد أربع سنوات عانت فيها القضية من انحيازه الكامل إلى الاحتلال الإسرائيلي، وطرح صفقة القرن ونقل سفارة بلاده إلى القدس واعترافه بها عاصمة للاحتلال، ودعم اتفاقات التطبيع مع دول عربية، ما وضع القضية في معترك هو الأصعب منذ عقود.
ويمكن القول إن زيارة عباس لها عدة أهداف أبرزها:
1- ترتيبات مرحلة بايدن: لم تخف السلطة فرحها بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن حيث تعتقد أن وجوده قد يسمح بعملية تسوية أو أنه قد يضغط على الاحتلالللعودة للمفاوضات، وهي بحاجة لدعم من دول ما يسمى الاعتدال العربي لمساندتها مع الإدارة الجديدة، ومحاولة التقليل من آثار حقبة ترامب على القضية الفلسطينية.
ولكن الإشكالية تكمن في أن عباس وفريقه يخطؤونمجدداً باعتقادهم أن ولاية بايدن، تعني فقط عودة المساعدات الأميركية إلى السلطة وإعادة افتتاح مكتب تمثيلي في واشنطن، وعودة المخصصات الأمنية واستئنافدعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا”، لأن هذه الملفات تبقى عناصر دعم مالي الهدف منها استمرار الوضع الحالي، وليس توفير دعم سياسي باتجاه تغيير الواقع الفلسطيني للأفضل.
2- التطبيع: تشكل موجة التطبيع التي تجتاح العالم العربي معضلة حقيقية أمام السلطة الفلسطينية، فالتطبيع من ناحية يشكل تجاهلا وتخطيا كبيرا لقيادة السلطة حيث تجري كل الاتفاقات بمعزل عنها ودون أدنى مراعاة للحقوق الفلسطينية، ومن ناحية أخرى يفقدالسلطة ورقة لطالما استغلتها وهي العلاقة مع الاحتلال والولايات المتحدة.
وقد شكلت علاقة السلطة بالاحتلال خلال العقدين الماضيين ورقة ميزتها عن الدول العربية واعتقدت من خلالهاانها تملك مفاتيح دخول البيت الأبيض عبر البوابة الإسرائيلية وقوة التنسيق الأمني الذي ترعاه الولايات المتحدة بقوة وتدعم الأجهزة الأمنية لتضمن استمراريته.
وحتى خلال الفترة التي تعرض خلالها أبو مازن لضغط عربي كبير لإجراء مصالحة فتحاوية مع القيادي المفصول محمد دحلان، وقيل بأنه يتعرض لمحاولة إزاحة عن رأس السلطة وفرض دحلان بديل عنه، كانت علاقته بالاحتلال وأميركا واحتكاره لهذه الورقة مدخلا لتجاوز تلك الضغوط، وهو ما يخشى أن يفقده بعد موجة التطبيع.
وأمام الوضع الراهن وبعد قرار عودة التنسيق يبدو أن السلطة بحاجة لترتيب علاقاتها بالدول العربية المطبعة، بعدما شنت هجوما اعلاميا كبيرا عليها، وتراجعت عنه سريعا وأعادت السفراء لكل من الامارات والبحرين، وهي بحاجة أيضا لترتيب تلك العلاقة عبر النظام المصري الذي تربطه علاقات قوية بالإمارات.
3- المصالحة الداخلية: من المشكوك فيه أن يكون هذا الملف من أولويات الزيارة ولكنها لن تخلو من مناقشته ولو هامشياً، خاصة بعد جولة المباحثات التي جرت في القاهرة مؤخراً، والتي وجهت لها ضربة قوية عبر قرار عودة التنسيق الأمني.
صحيح أن أبو مازن والفريق المحيط به لا يرغب بمصالحة حقيقية لكنه يرغب باستمرار الحديث عنها، وتوجيه الاتهامات للأطراف الأخرى وخاصة حماس بانها المعطلة، وظهر ذلك عبر البيان الذي صدر من الرئاسة بعد اعلان قرار عودة التنسيق والذي تحدث عن المصالحة بأنها قرار استراتيجي ولا تراجع عنه، بشكل يخالف كل الأفعال المصاحبة له.
4- المفاوضات: لا تخفي السلطة رغبتها في العودة للمفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، مع كل الخطوات التي اتخذها الاحتلال على الأرض والتي لم تبق ملفات للتفاوض عليها، ولكن عباس يرفض تغيير هذا النهج، كما أن الدول العربية خاصة مصر تدعم باتجاه العودة للتسوية السياسية.
ويرى عباس أن مصر والدول العربية قد يدعمون موقفه السياسي ودعوته لعقد مؤتمر للسلام بمرجعية دولية وأمريكية خاصة بعد فوز بايدن.