لأنها عيون أطفال العيساوية، والعيساوية عين فلسطين في القدس، شوكة في الحلق، مرعبة للمحتل حتى تحولت لكابوس يطارده ليل نهار، ولذلك كان لزاما عليه أن يحاول ما استطاع أن يفقأ هذه العين.
عند الشمال الشرقي للأقصى تقع العيساوية حارسة ليل القدس، والمناصرة الدائمة لغزة، فأسماها الاحتلال غزة الصغيرة، يقتحمها كلما دق ناقوس الخوف، فيطلق الرصاص الحي، والمطاطي، على البيوت القريبة من معاليه أدوميم، للضغط على السكان وطردهم من الأرض التي قامت مع قيام التاريخ.
ويستهدف الاحتلال عيون أبناء العيساوية تحديدا، فقد ثبتت إصابة أكثر من 15 من سكانها بجراح بالغة في السنوات الخمس الأخيرة، معظمهم فقد عيناً أو بات معاقا بسبب الاعتداء الإجرامي بالرصاص المطاطي.
عين مالك عيسى ابن الثماني سنوات أحد تلك العيون التي أطلق عليها جندي إسرائيلي قبل أشهر رصاصة مطاط أصابتها مباشرة، وأدت كذلك لتهتك في جمجمته، العديد من العمليات حاول معها الأطباء إنقاذها، ولكن دون فائدة.
واليوم أغلق الاحتلال ملف مالك الذي قال قبل شهر: "أنا فقدت عيني، والعين غالية، ويجب أن يحاسب الجندي"، ولكن الجندي لم يحاسب رغم عدد الشهود على الرصاصة التي اخترقت عينه.
لم يأخذ مالك حقه، ولم يستعد عينه، ولم يعد إلى المدرسة حتى الآن لسوء وضعه الصحي، رغم الأربع عمليات الجراحية لإنقاذ دماغه المتضرر وفي النهاية، يكمل مالك طريقه بعين من زجاج.
ويقول مالك: كنت أحمل ساندويش وأنا عائد من المدرسة، ولا أعرف لماذا اخترقت عيني مطاطة الجندي، ولماذا لم يعد لي حقي ولا يعترف الاحتلال بمحاسبة الجندي وحبسه.
الناشط المقدسي محمد خضر أبو الحمص من العيساوية يؤكد أن الاحتلال يدرس الإصابات بعناية حيث قال: "البلدة تتعرض لاعتداءات يومية من الاحتلال منذ سنوات طويلة؛ بسبب مواقفها الوطنية.
ونوه إلى تصاعد الاعتداءات بشكل غير مسبوق منذ نحو عام، في محاولة لكسر إرادة أهالي البلدة الذين يعدون نحو عشرين ألف نسمة.
وقدمت العيساوية 180 إصابة وكل واحدة أشد من السابقة، بين ضرب ورصاص مباشر، واختناق بالغاز، وكل ذلك لأن الاحتلال يقفز كل يوم بأوامر مفصلة خصيصا لأهالي العيسوية، بإغلاق محالهم، أو الترحيل من بيوتهم، أو هدمها، وبين أخذ وشد ورفض يعتدي الجندي على تلك الممتلكات، لا لسبب يذكر، سوى التحكم في مصير أهالي القرية، تحكما يعكس قهرا وسعيا لترحيلهم.
مدير عام الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال (فرع فلسطين) خالد قزمار، قال إنهم يوثقون كافة حالات استهداف الأطفال في بلدة العيساوية، لافتا إلى أن أعلى نسبة إصابة بالرصاص في العيون للأطفال تتركز بهذه البلدة.
وعن آلية ملاحقة جنود الاحتلال في مثل هذه الجرائم حيث يقول قزمار: "لا نثق بالقضاء الإسرائيلي، ونوثق هذه الانتهاكات ثم نمررها إلى مكتب المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية، لأن هذه الممارسات تمس بشكل أساسي بحق الطفل في الحياة".