تعكس مواقف قيادة السلطة الفلسطينية المتناقضة اتجاه ملف المصالحة وإنجاز الوحدة الوطنية حالة من الغرابة والتضليل السياسي الذي تمارسه، خاصة أنها تدعو الفصائل إلى الالتزام بتطبيق مخرجات لقاء الأمناء العامين في الوقت الذي كانت أول من داس عليها بقرار عودة العلاقة والتنسيق الأمني مع الاحتلال.
ولعل قيادة السلطة باتت تطبق المقولة الشعبية العربية التي تقول "رمتني بدائها وانسلت" بعد أن قفزت عن جميع مخرجات لقاء الأمناء العامين باستئنافها التنسيق الأمني مع الاحتلال رغم اتفاق الفصائل على رفض كل أشكال التنسيق.
وكانت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير دعت خلال اجتماع عقدته مساء السبت، بمقر الرئاسة في مدينة رام الله، إلى ضرورة الالتزام الكامل من الفصائل كافة بما أقره اجتماع الأمناء العامين بتاريخ (3/9/2020)، وجرى التأكيد عليه في لقاء اسطنبول بإجراء الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني بالتتابع.
وشددت على ضرورة الاستمرار بالعمل على ترتيب الأوضاع الداخلية وتعزيز الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وعلى قاعدة البرنامج الوطني والثوابت الوطنية التي أقرت في المجالس الوطنية المتعاقبة بحق شعبنا في تقرير مصيره وإنهاء الاحتلال لأراضيه المحتلة عام 1967 وتجسيد إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وحل قضية اللاجئين وفق قرار الأمم المتحدة رقم 194.
بدورها، انتقدت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" دعوة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير خلال اجتماع لها برئاسة الرئيس محمود عباس، لتنفيذ مخرجات لقاء الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية.
وقال الناطق باسم الحركة حازم قاسم في تغريدة له عبر "توتير": "ألم يكن أبو مازن أول من ضرب عرض الحائط بهذا اللقاء ومخرجاته بإعادة علاقته مع الاحتلال الإسرائيلي؟!".
وأضاف قاسم "يكفي قيادة السلطة استغفالًا للرأي العام الفلسطيني، وعليها هي أن تنفذ هذه المخرجات وتلتزم بالإجماع الوطني".
دهاء وتظليل
ويرى الكاتب والمحلل السياسي د. حسام الدجني أن هذا الموقف المتناقض يعكس دهاء قيادة السلطة التي تصدر هكذا مواقف استجابة لضغوط أطراف دولية وإقليمية من أجل تحقيق تقدم في ملف المصالحة.
ويوضح الدجني في حديثه لـ"الرسالة نت" أن السلطة تحاول أيضا من خلال هذا الموقف ارسال رسالة للأطراف الداخلية الفلسطينية أنها تريد المصالحة وحركة حماس هي من تعطلها، في محاولة لتسجيل موقف ضد الآخر.
ويبين أن السلطة تمارس التضليل والخداع السياسي بعد أن بات المواطن الفلسطيني والفصائل يجمعون على أن السلطة هي من تتحمل مسؤولية تعطيل الحوارات وتطبيق ما اتفق عليه لقاء الأمناء العامين للفصائل.
ويشير إلى أن هذا القرار يأتي ردا على مؤتمر الفصائل الفلسطينية الأخير في قطاع غزة والذي أجمعو فيه على أن خطوات رئيس السلطة محمود عباس اتجاه إعادة العلاقة مع الاحتلال واستئناف التنسيق الأمني، يشكل ضربة لما تم الاتفاق عليه في لقاءات بيروت وإسطنبول.
تعويم وتيه
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي عبد الله العقاد أن قرار قيادة السلطة يهدف إلى خلق حالة من عدم الفهم والتيه لدى الفلسطينيين، خاصة أن السلطة تمارس حالة من التناقض من أجل تبرير موقفها من المصالحة.
ويبين العقاد في حديثه لـ"الرسالة نت" أن السلطة تدعو إلى شيء وتمارس شيئا آخر في محاولة لخلق حالة من "الهيمنة السياسية" التي باتت آثارها تنعكس على كل الحالة الفلسطيني في ظل غياب البرنامج السياسي الوطني الواضح لدى قيادتها.
ويشير إلى أن هذه الحالة تكشف حجم الخلل في إدارة النظام السياسي الفلسطيني، خاصة أن أبو مازن يحاول توظيف حالة الاجماع الفلسطيني في غير محله الوطني من خلال التنصل والهروب من مخرجات لقاءات بيروت.