في خطوة مفاجأة صادقت حكومة الدكتور محمد اشتيه الأسبوع الماضي على دمج وإلحاق وإلغاء 30 مؤسسة رسمية غير وزارية، اعتمادا لتوصيات لجنة حوكمة المؤسسات والهيئات الحكومية.
وقد شمل القرار عددا كبيرا من المؤسسات التي لم يسمع بها الفلسطينيون سابقاً، مثل اللجنة الوطنية الفلسطينية للقانون الدولي الإنساني، ومركز الطب العدلي، والمعهد القضائي والتي تم إلحاقها بوزارة العدل، وإلحاق هيئة التوجيه الوطني والسياسي بوزارة الداخلية.
فيما جرى إلحاق لجان العواصم الثقافية بوزارة الثقافة، ومجمع فلسطين الطبي بوزارة الصحة، وإلحاق مجلس مهنة تدقيق الحسابات المالية بوزارة المالية، والمجلس الوطني للطفل بوزارة التنمية الاجتماعية.
وألحق القرار صندوق الإنجاز والتميز لدعم التعليم بوزارة التربية والتعليم، وسلطة الموانئ البحرية وسلطة الطيران المدني بوزارة النقل والمواصلات، وهيئة تسوية الأراضي والمياه وموظفيها الدائمين بسلطة الأراضي عند إنجاز أعمالها، كما يُلحق المعهد المالي والضرائبي بجميع مهامه وأمواله وموظفيه بوزارة المالية.
وألغى القرار كلا من هيئة تنظيم العمل الإشعاعي والنووي، وهيئة العمل التعاوني، والمجلس الأعلى للمرور، والمؤسسة الاقتصادية الاستهلاكية لقوات الأمن والشرطة، والهيئة الخيرية الفلسطينية للتكافل الأسري، وهيئة مشروع بيت لحم 2000، ومتحف غزة للآثار.
إضافة إلى دمج هيئة المدن الصناعية والمناطق الصناعية الحرة مع هيئة تشجيع الاستثمار لتصبح مؤسسة واحدة تسمى "هيئة الاستثمار والمدن الصناعية"، ويتولى بنك الاستقلال للتنمية والاستثمار كامل التعاملات المالية لكلٍ من: المؤسسة الفلسطينية للتمكين الاقتصادي، وصندوق التشغيل والحماية الاجتماعية، ومؤسسة الإقراض الزراعي، وصندوق درء المخاطر والتأمينات الزراعية، وصندوق الإقراض لطلبة مؤسسات التعليم العالي.
وفي السياق قال أمين عام مجلس الوزراء أمجد غانم: "سنوفر ملايين الدولارات سنوياً عبر تطبيق قرار دمج وإلحاق وإلغاء 30 مؤسسة رسمية غير وزارية، والقرار يأتي لترشيد الحكومة وتقليل النفقات، وتحسين الخدمات للمواطنين".
وتبدو المفارقة أن بعض المؤسسات يحمل مسميات قد لا تكون موجودة بدول كبرى، وجلها وهمية لا تقوم بأي دور حقيقي على الأرض.
وظائف وترقيات بالمئات جرت وفق مراسيم رئاسية خلال السنوات الماضية في تلك الهيئات للمتنفذين ومن حول الرئيس، حيث تمكنوا من تشكيل دائرة نفوذ لهم ولذويهم بشكل أخطبوطي داخل كيانات السلطة.
وتسّوق الحكومة قرار الدمج على انه يأتي لتحقيق المصلحة العامة لكنها لم تبرر أصلا أسباب قيام هذه المؤسسات والهيئات طوال السنوات الماضية وهي في غالبها مؤسسات وهمية ورغم ذلك يتقاضى موظفوها رواتب خيالية، ما يؤكد ان انشاء تلك المؤسسات كان بهدف إخفاء تعيينات بالجملة تجري بعيداً عن أي مسوغات قانونية وبرواتب خيالية أرهقت موازنة السلطة واستنزفت الملايين من أموال الشعب الفلسطيني.
إحدى تلك المؤسسات مسماة بالشرطة الجوية التي تعمل في سلطة لا تملك مطارات أو طائرات، ويعمل بها 32 موظفا يتقاضون رواتب تصل إلى 9 آلاف شيكل.
وفي صورة واضحة للفساد الإداري والمالي طال قرار الدمج هيئة شؤون المنظمات الأهلية والتي أنشأت عام 2012 بمقتضى مرسوم رئاسي مخالف للدستور حيث منحها الرئيس الاستقلال المالي والإداري، وتتبع رئيس السلطة، الأمر الذي يُخالف أحكام القانون الأساسي الذي يُنيط هذا الاختصاص الدستوري حصراً بمجلس الوزراء، وتلقت أكثر من 7 مليون شيكل من موازنة السلطة ويعمل بها قرابة 70 موظفا بعضهم يحملون رتبا عليا ورواتب مرتفعة دون عمل لهم.
قرار الحكومة يفتح باب التساؤلات حول ملف فساد آخر لدى السلطة حول كل تلك المؤسسات التي تستنزف أموال الشعب الفلسطيني دون مقابل.
الأخطر في الموضوع هو توقيت القرار والذي جاء للتغطية على قرار دمج هيئة الأسرى والمحررين وتوزيع الاسرى على وزارات السلطة لتمييع قضيتهم، وذلك بعد يوم واحد من قرار بنك فلسطين إغلاق حسابات الأسرى بشكل رسمي والطلب منهم سحب اي مبالغ مالية لهم داخل البنك، وذلك تماشياً مع قرار الاحتلال الإسرائيلي.
ولا يمكن الفصل بين قرارات الحكومة الأخيرة وتلقي أسرى محررين استماراتٍ في وقت سابق من "هيئة شؤون الأسرى والمحررين" حملت عنوان "نموذج دمج وتأهيل الأسرى المحررين"، تتضمن أسئلة عن وضعهم العائلي والتعليمي، وطُلِب منهم فيها تحديد ثلاثة اختيارات يرغبون بالتفرغ للعمل فيها لدى الكادر العسكري والمدني.
هذا الإجراء الذي يشمل 7 آلاف أسير سابق، يبدو انه مقدمة لتصفية قضيتهم عبر حل الهيئة ودمج الاسرى في الوزارات وتحويل بعضهم لهيئة التقاعد.