سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الضوء على "تفاخر" سفير واشنطن لدى الاحتلال الإسرائيلي، ديفيد فريدمان، بـ"إنجازاته"، وأهمها قلب سياسة الولايات المتحدة لصالح الاستيطان والمستوطنين.
وفي تقرير قال مراسل الصحيفة، ديفيد هالبفينغر، إن فريدمان قام على مدى أربعة أعوام بتغيير جذري للموقف الأمريكي من الاحتلال والفلسطينيين، فيما يستعد الآن للرحيل برفقة رئيسه دونالد ترامب.
وأضاف: "سواء أحببته أم كرهته.. فإن ديفيد فريدمان، الذي ينهي عمله هذا الشهر، حفر اسمه في التاريخ كواحد من أهم السفراء الأمريكيين المؤثرين".
وتابع بأن فريدمان، 62 عاما، كان الشخص الذي دفع لإعادة تشكيل المواقف الأمريكية من الصراع، عبر قائمة لا تنتهي من التنازلات التي منحها ترامب لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأنصاره من اليمين المتطرف.
ونقل هالبفينغر عن مستشار الرئيس وصهره جاريد كوشنر قوله إن فريدمان "وضع سياسة طموحة" و"بصراحة لم يعد لنا في النهاية ما يمكن تنفيذه لأن السفير فعل الكثير من الأشياء التي كانت خارج التفكير".
وعلى النقيض، فقد رفض الناقدون له مثل الرئيس الفلسطيني محمود عباس مقابلته ووصفه بـ"ابن الكلب" فيما اتهمه الليبراليون اليهود بقتل حل الدولتين.
وقالت إدارة ترامب إنها تريد تحقيق السلام، لكنها ستترك البيت الأبيض هذا الشهر والسلام أبعد ما يكون عن التحقق، وفق الصحيفة.
وكانت البداية في 2017 باعتبار ترامب القدس المحتلة عاصمة للاحتلال ونقل سفارة واشنطن إليها، بدون الحصول على أي تنازلات من إسرائيل.
وقلب فريدمان السياسة الأمريكية التي تتعامل مع المستوطنات في الضفة الغربية، والتي لطالما اعتبرت عقبة للسلام وغير قانونية، واعتبرها جزءا من إسرائيل، وأكد للمستوطنين أنه لن يتم إجلاء المستوطنين عنها وأن الولايات المتحدة لا تنظر إليهم كلصوص يعيشون على أراض مسروقة.
وكان من المتبرعين للمستوطنات قبل دخوله الدبلوماسية، وزارها بعد ذلك وكان الدافع وراء إلغاء كلمة "احتلال" من وثائق الخارجية الأمريكية المتعلقة بالاستيطان.
ويقول كوشنر عن فريدمان: "لقد طبع الكثير من السلوك والكثير من التصريحات التي غيرت السياسة الأمريكية".
وأوقف البيت الأبيض المساعدات الفلسطينية، وصولا إلى تصفيرها، وحاول وقف وكالة دعم اللاجئين الفلسطينيين، وشجب قيادتهم وأغلق بعثتهم في واشنطن.
وتبنت خطة السلام الأمريكية التي أعلن عنها قبل عام كل نقطة وموقف دعت إليه "إسرائيل"، وكان عليها بموجب "الصفقة" القبول بكيان فلسطيني "أقل من دولة"، فيما فرضت على الفلسطينيين القبول بكل شيء آخر، وفق الصحيفة.
وبالنظر للسنوات الأربع التي قضاها في المنصب عبر فريدمان عن ابتهاجه من الطريقة السياسية والموقف الذي لا رجعة فيه والذي تبنته الإدارة وتغييرها لمسار النزاع.
وفي مقابلة مع الصحيفة، قال: "لن تكون هناك رجعة عن الكثير الذي قمنا به.. بصراحة أنا منتش وجذل بما قمت به.. لقد غيرنا السرد بطريقة درامية".
ولا أحد يناقش في هذا، لكن لارا فريدمان (لا علاقة بينهما) والتي تعد من أشد الناقدين للسفير المنتهي عمله وتدير مؤسسة الشرق الأوسط للسلام، تقول إن بعض مسؤولي إدارة باراك أوباما السابقين والذين يريدون تفكيك بعض سياسات ترامب اقترحوا على إدارة جو بايدن التسامح مع التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية بل وحتى منحه الضوء الأخضر.
وقالت: "لدى ديفيد فريدمان كل الأسباب التي تجعله يتفاخر بنفسه".
ولكن، بحسب الصحيفة، فلم يحقق فريدمان كل ما يريد، فهو لم ينجح في إقناع ترامب بالموافقة على أجزاء واسعة من الضفة الغربية.
ولكنه عبر عن سعادته إزاء الكيفية التي تحولت فيها الأمور، فبدلا من الضم حصلت إسرائيل على اتفاقيات تطبيع مع الدول العربية، وتم تعليق الضم لا التخلي عنه.
ويعتقد فريدمان، بحسب الصحيفة، أن إسرائيل "ستواصل العمل ونأمل أن نكون قد ساعدنا على تحديد الأمر داخليا".
وعندما سئل عن ما إن كانت هناك ضرورة للتفاوض حول الحدود هذه، قال إن هذا محبذ لكن ليس إلزاميا و"يمكنهم التصرف من طرف واحد".
وقالت الصحيفة إن فريدمان ابن الحاخام في نورث وودمير بنيويورك ينسب نجاحه لـ"معرفته العميقة" و"آرائه القوية" وفوق كل هذا فـ"أنا قريب من الرئيس".
وفي الوقت الذي استقال فيه عدد من المقربين من ترامب بسبب أحداث الكونغرس لم يمدح فريدمان أو يشجب أحدا بل وأصدر بيانا يوم الجمعة تحدث فيه عن "الصمود في وجه الضغوط غير المسبوقة".
وعمل فريدمان كمحام في إفلاسات لترامب هو ما جرأه على تجاوز الإجراءات العادية والضرورية.
وبعد وصوله إلى إسرائيل عام 2017 أعلن عن تلقيه دعوة لحضور حفلة توحيد القدس، وبعد ذلك اتصل به مسؤول من وزارة الخارجية قال إنه لا يستطيع الحضور حتى لا يُغضب الفلسطينيين، فرد فريدمان: "خذ هذا الرقم"، ولو قال الشخص الذي يرد على الهاتف إن فريدمان لا يمكنه الحضور فلن يحضر.
وعندما سأل المسؤول في الخارجية: "رقم من هذا؟"، أجاب: "هذا رقم الرئيس الخاص".
وأدت علاقاته القريبة وحديثه الأسبوعي مع الرئيس واللقاءات الشهرية، إلى لمضي في أجندته التي قامت على دفع الفلسطينيين تخفيض سقف مطالبهم.
وقال فريدمان إن الإدارات السابقة كافحت من أجل جلب الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات وانتظار موافقتهم على المحادثات قبل التحرك نحو الأمام، ما أعطاهم "فيتو" على العملية وتقدموا بمطالب "غير منطقية".
وأضاف: "تدفق للاجئين إلى إسرائيل لن يحدث أبدا.. وتقسيم القدس؟ لن يحدث أبدا. تخلي إسرائيل عن أجزاء من أرضها التوراتية؟ لن يحدث أبدا".
وتابع بأن البيت الأبيض "وفر الحقنة الضرورية من الواقعية في النفسية الفلسطينية حول ما هو متوفر وغير متوفر".
لكن الفلسطينيين يختلفون معه، فبحسب حسام زملط، المبعوث الفلسطيني في واشنطن حتى إغلاق البعثة، فإن حديث فريدمان عن إنجازاته تعبير عن الوهم.
وبدلا من زيادة التأثير الأمريكي على النزاع فقد خفضه إلى الصفر وقضى على كل آمال حل الدولتين، بحسبه، مضيفا أن منطق وسلوك "الغوغاء الأمريكي" في إشارة إلى ما فعله أنصار ترامب بالكونغرس يوم الأربعاء، هو نفسه الذي تم اتباعه في إدارة العلاقات الأمريكية الفلسطينية، مطالبا بايدن بـ"تنظيف" تلك الفوضى.
وفي الحقيقة، يرى فريدمان أن خطة السلام التي قدمها ترامب، والتي وضعت متطلبات مالية إلى جانب الشفافية وحقوق الإنسان، هي "هدية للشعب الفلسطيني ستجعل من مستوى حياتهم أحسن بكثير".
وقال إن تحسن العلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية "سيفتح خيال الفلسطينيين لما يمكن تحقيقه".
ونفى أن تكون إدارة ترامب حاولت المساعدة في إعادة انتخاب نتنياهو من خلال الاعتراف بسيادة الاحتلال على مرتفعات الجولان، "ربما بدت بهذه الطريقة لكنني أحترم الديمقراطية الإسرائيلية".
وانتقد شكوى الإدارات الأمريكية السابقة من التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وبالنسبة للولايات المتحدة فالتأكيد على هذا الموضوع "هو بمثابة الإشارة على ضرورة منح الفلسطينيين شيئا أكثر، وهذا لا معنى له" وربما أدى إلى الإضرار بالتحالف الأمريكي-الإسرائيلي.
وقال فريدمان إن ما تفعله "إسرائيل" في داخل وخارج المستوطنات هو "قرار داخلي"، معبرا عن مخاوفه من عودة إدارة بايدن إلى الموقف الدولي المقبول بشأن عدم شرعية المستوطنات، مضيفا أن المعارضة لسياسات ترامب ستكون فقط لأنها مرتبطة به.
وزعم أن ما تعرف بصفقة القرن "تقدم رؤية واقعية لحل الدولتين ودعمها الرأي العام الإسرائيلي".
وختم فريدمان حديثه للصحيفة بالقول إنه سيخرج من منزل السفير الراقي في هرتزيليا في 20 كانون الثاني/ يناير الذي اشتراه داعم ترامب الكبير، الملياردير شيلدون أديلسون، مؤكدا أنه لا يخطط للحصول على الجنسية الإسرائيلية في الوقت الحالي "وسأظل أمريكيا فقط لمدة أربعة أعوام على الأقل.. أريد منح نفسي الفرصة للعودة إلى الحكومة"، في إشارة إلى ما بعد انتخابات 2024.
عربي21