في أعلى درجات الرحمة التي يمكن أن يصل إليها السجان، أن يفرج عن الأسير قبل انتهاء محكوميته بستة أشهر، افراج يدعي فيه أنه أكثر إنسانية من أي سجان آخر.
أجل أفرج السجان الإسرائيلي عن جسد محمد صلاح الدين الأسير المحكوم في سجون الاحتلال منذ عامين، بتهمة المقاومة التي أسمتها محكمة الاحتلال شغبا، وصمت المطبعون عنها طواعية.
وفي ظل انشغال العالم العربي بالتطبيع وانشغال السلطة الفلسطينية بالركض وراء التنسيق، كان جسد الشاب الذي لم يتجاوز عشرين عاما، يذوب تدريجيا لعامين وقد اكتشف أنه يعاني من مرض السرطان منذ الشهر الأول لاعتقاله، ومع ذلك حكمت المحكمة بسجنه لعامين كاملين.
عامان كانا يكفيان للقضاء على الجسد الشاب وتمكن السرطان منه حتى الرمق الأخير، ثم الحكم بالإفراج عنه قبل ستة أشهر، بشرط واحد، أن يكون القبر هو طريق الافراج الوحيد، وهكذا خرج محمد قبل أشهر من رحيله، منهك الجسد، ودع عائلته، مستقبله، أحلامه، شبابه، وتماهى مع كل خلية سكنها السرطان في جسده، ثم رقد بسلام.
يقول الناشط المختص بقضايا الأسرى في القدس أمجد أبو عصب أن محمد اعتقل قبل عامين في السابع من ابريل عام 2019 وفرضت عليه المحكمة حكما جائرا رغم معرفتها بأنه يعاني من مرض السرطان الذي استفحل في جسده الطاهر بسبب سياسة الاهمال الطبي المنظم التي مارستها ادارة سجون الاحتلال أثناء فترة الاسر.
ويضيف أبو عصب "قبيل انتهاء مدة محكوميته بسبعة أشهر ونتيجة لتدهور وضعه الصحي، تقدمت هيئة شؤون الاسرى بالتماس للمحكمة الاحتلالية طالبتها بالإفراج الفوري عنه، والتي قررت لاحقا القبول بطلب الافراج المبكر، ليعود محمد الى بلدة حزما المقدسية وقد أنهكه المرض، ثم ارتقى شهيدا يوم الإثنين الماضي.
يُشار إلى أن قرابة 700 أسير في سجون الاحتلال يعانون من أمراض، وقرابة 300 أسير من أصحاب الأمراض المزمنة.
ويعيش الأسرى داخل السجون (الإسرائيلية) أوضاعاً صحية استثنائية؛ ويتعرضون إلى أساليب تعذيب جسدي ونفسي وحشية وممنهجة، تؤذي وتضعف أجساد الكثيرين منهم، فيما ترفض المحكمة الإسرائيلية الافراج عمن أنهكهم المرض.
ويعد الحرمان من الرعاية الطبية الحقيقية، والمماطلة المتعمدة في تقديم العلاج للأسرى المرضى والمصابين، وسيلة من وسائل الذل التي ينهجها السجان الإسرائيلي في تعامله مع المرضى وفي محاربته النفسية للأسرى.
وقد أكد مركز أسرى فلسطين للدراسات أن 22 أسيراً داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي يعانون من مرض السرطان بمختلف أنواعه، بعضهم معتقل منذ 15 عاماً، ويعانون من أوضاع صحية مزرية، ولم تقدم لهم إدارة الاحتلال أي مساعدات طبية كافية أو علاجا مناسبا لحالتهم، ويعيشون حياة مؤلمة خلف قضبان الزنزانة، وقضبان الإهمال الطبي.