سلسلة من الانتقادات وجهها حقوقيون لمرسوم الرئيس محمود عباس الدعوة لانتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني، فقد أبدى حقوقيون ملاحظتهم على التعديلات التي جرت على بعض القوانين المتعلقة بالانتخابات والتي اعتبروا أنها ألغام قانونية في طريق الانتخابات، مؤكدين على أن نزاهة الانتخابات العامة مرتبطة باستقلال القضاء.
المرسوم الذي أصدره عباس حدد فيه مواعيد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني على 3 مراحل، لتكون الأولى منذ 15 عاما، تبدأ بالانتخابات التشريعية في مايو/أيار والرئاسية في تموز/يوليو، ثم المجلس الوطني في أغسطس.
الحقوقي عصام عابدين أبدى ملاحظات على المرسوم الرئاسي الذي اعتبره أنه يأتي على أنقاض القضاء، وبتبعيه كاملة للرئيس، تُوجت بالقرارات بقوانين الأخيرة التي نُشرت بتاريخ 11/1/2021 وسيطرته على القضاء من خلال رئيس المجلس القضائي الذي يتولى التنسيب للرئيس لإصدار مرسوم تشكيل محكمة قضايا الانتخابات وعلى المحاكم العادية بالهيمنة والتبعية المطلقة لرئيس المجلس القضائي وعزل أي قاض لا يُنفذ الأوامر والتعليمات.
ولفت عابدين إلى أنه وفق المرسوم والتعديلات، فإنه على المحاكم الإدارية عبر انفراد الرئيس بتعيين أول تشكيل قادم لها وتعيين وقبول استقالة رئيس المحكمة الإدارية العليا (قرارات الرئيس في مسار الانتخابات، وقف الانتخابات، قرارات المرحلة اللاحقة)، مع الأخذ بعين الاعتبار دور المحكمة الدستورية العليا وتشكيلها غير الدستوري ما يعني أن الانتخابات تحت سيف قضاء تابع للرئيس.
كما تطرق عابدين إلى نقطة أخرى وهي أن القدس تعتبر رغم أهميتها منطقة انتخابية من المناطق الانتخابية الـ 16 والأرض الفلسطينية دائرة انتخابية واحدة لغرض انتخاب الرئيس وعضوية المجلس التشريعي بموجب قرار بقانون الانتخابات العامة 2007 (مادة 7)، لكن وفق قوله من المستغرب أن يأتي مطلع المادة (1) من المرسوم الرئاسي بصيغة "الشعب الفلسطيني في القدس وجميع محافظات الوطن “مدعو إلى انتخابات عامة حرة ومباشرة بالاقتراع السري لانتخاب أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني ولانتخاب رئيس دولة فلسطين.
كما وتساءل حول اقحام رئيس منظمة التحرير وبطريقة ملتبسة في نصوص قرار قانون انتخابات السلطة، وذلك حين جرى التعديل على المادة 2 من قرار قانون الانتخابات العامة 2007، لكن بموجب قانون رقم 1 لسنة 2021 بات ينص على أن "يصدر رئيس دولة فلسطين، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، مرسوماً رئاسياً.. يدعو فيه لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية أو أي منهما في دولة فلسطين".
وقال عابدين في ملاحظاته:" رغم أن المرسوم الرئاسي يحمل دعوة لإجراء "انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني" فإنه لا يوجد ما يُشير إلى انتخابات للمجلس الوطني في نصوص المرسوم، واكتفت المادة (2) منه بالنص على أن "تعتبر انتخابات المجلس التشريعي المرحلة الأولى من انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني"، مشيرا إلى أن التجربة الفلسطينية حافلة بسحب الصلاحيات، والهروب من المساءلة، تحت عنوان رئيس منظمة التحرير الفلسطينية.
وأشار في ملاحظاته أن المادة (4) والتي تنص على أن "تقوم لجنة الانتخابات المركزية بالتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية وتنظيمها والإشراف عليها وفق قانون الانتخابات العامة النافذ"، متسائلا: ماذا عن انتخابات المجلس الوطني التي يشير إليها مرسوم الدعوة لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني؟ مع الإشارة إلى أنه لا يوجد "قانون انتخابات عامة نافذ" كما ورد في المرسوم وإنما يوجد "قرار بقانون انتخابات عامة".
الفصل بين السلطات
وفي السياق ذاته عقب المستشار القانوني عبد الله غزال على المرسوم الجديد، حين وجه له ملاحظات يقول في مقال له نقلته "الرسالة": منذ أن أصدر الرئيس محمود عباس القرارات بقانون ٣٩، ٤٠، ٤١ لسنه ٢٠٢٠، تلك المتعلقة بتشكيل المحاكم النظامية، وتعديل قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة ٢٠٠٢، وانشاء المحاكم الإدارية، يستقيم لي الحديث، أُسجلُ أن قانون السلطة القضائية رقم ١ لسنة ٢٠٠٢، حالة متقدمة على غيره من القوانين في العالم العربي بما يضمن استقلال السلطة القضائية ومبدأ الفصل بين السلطات.
ونوه أن تشكيل المجالس القضائية في العالم لا يجري فيه الأمر على نسق أو وتيرة واحدة، لكن القول الحق بأن تشكيل المجالس القضائية في العالم العربي، التي يكون فيها رئيس مجلس القضاء الأعلى الملك أو رئيس الجمهورية، أو وزير العدل أو تضم في عضويتها وكيل وزارة العدل، تعصف بمبدأ الفصل بين السلطات وتُجرد القضاء من أهم ضمانات استقلاله.
وأوضح أن هنالك خلافاً في الرأي حول مجالس القضاء التي تتضمن ممثلين عن البرلمانات، أو نقابة المحامين، أو عمداء كليات الحقوق، أو منظمات المجتمع المدني المهتمة بالشأن القضائي والحقوق والحريات وسيادة القانون، واختلاف الرأي فيما أرى، مَردُّه الواقع المُعاش في كل دولة، ومساحة الحقوق والحريات، والديمقراطية، والثقافة المجتمعية ومدى الوعي القانوني، اذ أن ما يصلح في بلد ما لا يصلح في بلد آخر.
وكان الرئيس عباس أصدر في منتصف يوليو 2019 القرارين بقانون رقم 16 و 17 وتضمن القرار رقم 16 تعديلاً لشروط إشغال منصب رئيس المحكمة العليا ونائبه، و تعديلاً لسن تقاعد القضاة من 70 الى 60، فيما تضمن القرار بقانون رقم 17 حلاً لمجلس القضاء الأعلى، وكافة هيئات المحكمة العليا، ومحاكم الاستئناف وتشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي، والقول لغزلان.
ويضيف: الاتفاقيات التي وقعت عليها السلطة الفلسطينية، وألزمت بها ذاتها، بأن المجلس المنعوت (مجلس القضاء الأعلى الانتقالي)، جاء على خلاف كل ذلك من حيث انشائه وتشكيله ونعته وشخوصه وصلاحياته، وقد جاء معيبا مشوها معتلاً، وأن عيبَه وتشويهه وعلته انحدرت به الى درجة الانعدام، ويُعاذُ بالقضاء الدستوري والإداري أن يُشرعنَه."
ولفت إلى أنه تبع قبل أيام من انتهاء المدة الممنوحة للمجلس الانتقالي وما تبعها من تمديد صدور القرارات بقانون 39، 40 و41 المشار اليها استهلالاً، مشيرا إلى أنه بعطف النظر على القرارت المذكورة فإنها تشترك مع سابقاتها (القراران ١٦، ١٧ لسنة ٢٠١٩)، مخالفتها للقانون الأساسي ولمبدأ الفصل بين السلطات والأعراف والمواثيق الدولية، ومنهج ضوابط التشريع، اذا أنها ُفُصّلت بالمقاس، بعيداً عمّا يجب أن تتصف به القاعدة القانونية من تجرد وعمومية، وفوق ذلك قُصد بها إحكام قبضة السلطة التنفيذية ومتنفيذيها من الأجهزة الأمنية على السلطة القضائية، ومزيدا من الهيمنة والتغول والاستقواء، وخلق حالةٍ من التزاوج غير مسبوقة بين السلطتين.