توصلت الفصائل الفلسطينية لاتفاق بشأن الانتخابات وفق المرسوم الرئاسي، وتعهدت الفصائل في البيان الختامي لحوارات القاهرة بالإفراج عن المعتقلين كافة على خلفية فصائلية.
كما نص البيان على ضمان حياد الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة وعدم تدخلها في الانتخابات، داعيا إلى معالجة نتائج الانقسام، على أسس وطنية شاملة وعادلة، ومشددا على اتخاذ آليات تضمن إجراء الانتخابات في القدس ترشحا وانتخابا.
لكن المسكوت عنه في البيان الختامي أكثر بكثير مما تضمنه، حيث أن العقبات والاشكاليات التي تراكمت طوال سنوات الانقسام أكبر من أن تحل عبر القضايا الشكلية التي جرى التوافق عليها.
نجاح العملية الانتخابية حتى تكون مدخلا لإنهاء الانقسام وإعادة صياغة المشهد السياسي الفلسطيني يتطلب توافقا على القضايا المحورية، أهمها البرنامج السياسي الوطني الذي ستجتمع الفصائل عليه وتتبناه ويجري العمل وفقه، وقد شكل ولا زال أحد اهم التحديات والعقبات في طريق المصالحة نتيجة وجود عدة برامج متضاربة ومتصارعة.
وقد صرحت حماس قبل التوجه للقاهرة أنها ذاهبة للتوافق على البرنامج السياسي، وقال نائب رئيس المكتب السياسي لحماس في غزة خليل الحية: "إذا ما تم الاتفاق على الحد الأدنى من البرنامج السياسي، فإنه سيفتح الباب واسعا أمام حالة توافق أكبر"، لكن اللقاءات انتهت دون توافق على برنامج سياسي واضح.
من جانب آخر لم تقدم الفصائل رؤية حول المجلس الوطني وانتخاباته المرتقبة وكيف سيسهم انضمام حماس والجهاد للمنظمة في إعادة تشكيلها او اصلاح هياكلها، حيث أن الفصائل التي تعارض أوسلو في حال انضمت للمنظمة كيف ستعمل ضمن أروقة المنظمة التي وقعت أوسلو واعترفت بالاحتلال؟
وفيما يتعلق بالعملية الانتخابية المتتالية لم يشرح البيان الختامي ما هي الضمانات المتفق عليها لاستكمال العملية الانتخابية، بما يضمن الوصول للانتخابات الرئاسية، ومن ثم المجلس الوطني.
وفيما يتعلق بالجانب القانوني والقضائي والذي يشكل تحديا كبيرا في إتمام مراحل العملية الانتخابية المنتظرة فان كل ما قدمه بيان الفصائل هو تشكيل "محكمة قضايا الانتخابات" بالتوافق بين قضاة القدس، والضفة الغربية، وقطاع غزة.
وبحسب البيان "تتولى المحكمة حصرا دون غيرها من الجهات القضائية متابعة كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية ونتائجها، والقضايا الشائكة"، لكن هذا الاتفاق لا يضمن ألا يجري استغلال الثغرات القانونية في تخريب الانتخابات.
كما أن التعديلات القانونية التي جرت قبيل اصدار المرسوم والتي تنص على استقلالية القضاء بشكل واضح تبقى مدخلا كافيا لنسف العملية الديمقراطية، هذا عدا عن ان أبو مازن بقي يحتفظ بورقة المحكمة الدستورية التي يمكنها ان تلغي نتائج الانتخابات بجرة قلم.
من الواضح أن حوارات القاهرة طالت القشور فقط ولم تناقش عمق الأزمة الفلسطينية، فهناك ملفات لا حصر لها يجب أن يتم معالجتها للوصول بالانتخابات لمرحلة أفضل من الحالية، وهي تتطلب إعادة توحيد ودمج المؤسسات المدنية والأمنية والقضائية، وإزالة ترسّبات الانقسام، ومعالجة تداعياته، وخاصة العقوبات ضد قطاع غزة، وكيفية معالجة القوانين والمراسيم التي صدرت خلال فترة الانقسام، لتطبيقها بعد الانتخابات.
تأجيل جل القضايا لما بعد الانتخابات لا يزيل خطورتها ولا يعني أن التشريعي الجديد سيتمكن من العمل وفق رؤية وطنية ومهنية في معالجة مخلفات الانقسام، بل ان التشريعي الجديد سيكون مهددا بمصير سابقه في حال استمرار حالة عدم التوافق، وشرعنة الحكم الذاتي بدل الانطلاق نحو مرحلة ترفع فيها أسهم القضايا الوطنية وتجاوز إشكاليات الفئوية التي طغت خلال سنوات الانقسام.
ولا يخفى على أحد أن المواطن الفلسطيني في السنوات السابقة فقد الثقة بالعملية الديمقراطية، واستعادتها تتطلب إصلاحا مؤسساتيا على صعيد الأحزاب ومؤسسات السلطة والمنظمة.