غزة-محمد بلّور-الرسالة نت
أذكره متمنطقا مسدسه الشخصي على خصره مرتديا بزته العسكرية وكوفيته الفلسطينية التي لوّح فيها في أوقات الفرح القليلة في حياته .
غابت عباراته الشهيرة مع مواراته الثرى ولم يجرؤ أحد حتى الآن على إعادة فتح ملف اغتياله فبقي رمزا يشاهد في الصور الجدارية وذكرى وفاته وقائدا فلسطينيا انفرد بـ"كاريزما" فتحاوية لن تتكرر .
لازلت أذكر ذلك المشهد الذي كان فيه عرفات يصر على دخول الرئيس الأمريكي السابق "بل كلينتون" ورئيس حكومة الاحتلال "باراك" قبله في إحدى حجرات منتجع "كامب ديفيد".
لم يدرك عرفات أن عودته من " ديفيد" كانت آخر محطاته ليبدأ حصارا سياسيا خذله فيه العرب والأصدقاء ويقضي في ظروف غامضة .
قائد تاريخي
معظم الفلسطينيين شبوا على كلمات عرفات وخطاباته حتى سماه الكثيرون "الختيار" فرأى فيه الكثيرون نموذجا للثورة والمحارب ومؤخرا المفاوض .
ويرى المحلل السياسي ناجي شراب أن عرفات شكل نموذجا للقيادة التاريخية وعاصر فترة هامة من عمر القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن أبو عمار جسد بتوجهاته السياسية معنى القضية حين ولج إلى مبنى الأمم المتحدة وألقى خطابه الشهير عام 1974 ممسكا غصن الزيتون في يد والبندقية في اليد الأخرى ما يعني جمعه بين خيار المقاومة والسلام .
وقال في حديث للرسالة نت : عرفات قضى تجربة سياسية طويلة كقائد لفتح والسلطة الفلسطينية في عملية قتل حين رفض التفريط بثوابت الشعب الفلسطيني بعد مؤتمر كامب ديفيد .
أما المحلل السياسي أسعد أبو شرخ فيرى فيه قائدا كان يحلم بتحرير فلسطين مستذكرا أحد تصريحاته عام 1968 حين كان يؤمن بتحرير كامل الوطن .
وقال إنه كرّس حياته للقضية حتى عصفت به السياسة وتخلى عنه الجميع فختم حياته بمقولته الشهيرة "يريدونني أسيرا يريدونني أسيرا يريدونني قتيلا وأنا أقول شهيدا شهيدا.." .
خسارة لفتح
وفقدت فتح عرفات كقائد تحلى بشخصية مؤثرة وخبرة عالية لن يملأ أحد مقعده حتى الآن، وفي هذا السياق يقول أبو شرخ إن فتح فقدت قائدا مقاوما حمل السلاح في كل الظروف ورفض التخلي عن خيار المقاومة في السرّ والعلن .
وأضاف للرسالة نت:"قاوم وفاوض واحتفظ بحق المقاومة دائما لذا مورس عليه ضغط شديد خاصة بعد دعمه الانتفاضة ورفضه الخضوع لمطالب الاحتلال قبيل اغتياله".
أما شراب فيرى أن عرفات عبر قيادته لفتح لم يكن مهما لفتح وحدها بل منح القضية الفلسطينية أهمية كبيرة ، مشيرا إلى أن عرفات كنموذج القائد يشبه كافة قادة حركات التحرر في العالم الثالث فكان له دور إيجابي وسلبي معا .
وأضاف:"يبقى القائد في عالمنا الثالث حتى يموت فإيجابيته تكون في ضمانه واحتوائه الخلافات وغيابه أدى لبروز تناقضات في فتح " .
وساهمت قيادة عرفات لفتح فترة طويلة واحتفاظه بقادة كبار في السن من حوله في إيجاد فجوة مع قادة فتح وكوادرها الأصغر سنا .
ووقع عرفات في مشكلة الدمج بين السلطة وفتح حين تداخلت بيده السلطات والمسئوليات حيث يرى أبو شرخ أنه لم يفصل بينهما ما انعكس سلبا على السلطة وفتح ، مضيفا: قد يكون حاول الفصل لكنه أخطأ ولم يتمكن مع أني أذكر أنه كان يتحدث عن إيجابيات الفصل في اجتماعات اللجنة المركزية لفتح ولقاءاته بقادة أجهزة الأمن وكوادر فتح" .
تجاوزت أحلام عرفات واقعه السياسي فنادى بدولة مؤسسات شكل تأسيس السلطة نواة لها رغم وجود أخطاء كبيرة في بنيانها، وفي هذا الصدد يقول شراب أن مشروع السلطة تكمن أهميته في وزنها من حيث الكينونة السياسية التي أدت لاندماج وتفاعل السلطة مع الآخرين .
مسلسل التنازلات
وتحوّل عرفات إلى خيار السلام حين دخل مرحلة التفاوض مع الاحتلال بدء بمؤتمر مدريد وأوسلو وما تلاها من لقاءات .
وكانت الوفود الفلسطينية المفاوضة خاضت في حياة عرفات عشرات اللقاءات التفاوضية التي أخفق فيها المفاوض الفلسطيني .
ورغم فشل المفاوضات ظل عرفات يعلق الآمال على الزمن والخروج بنتيجة نهائية في آخر المطاف لكن الاحتلال أبطل أحلامه بتصفية حين وصل معه لطريق مسدود، حيث يؤكد شراب أن عرفات لم يرد الخروج بأي نتيجة للفلسطينيين واصفا عرفات بالرئيس الوحيد الذي وقف في وجه الإدارة الأمريكية بعيد فشل اتفاق كامب ديفيد عام 2000 .
وأضاف:"بالمقاييس النهائية المفاوضات فشلت فلم تحقق شيء في حق العودة ولا القدس ولا بقية الثوابت "
ولعل اتفاق أوسلو أهم الاتفاقات التي ساهمت في إبراز شكل ودور السلطة التي عادت بقيادة عرفات، وعن ذلك يضيف أبو شرخ:"كانت أوسلو اتفاق مبادئ وليست معاهدة وأدرك عرفات في النهاية أنهم لن يعطوه شيئا فبدأ في انتفاضة الأقصى وصمد حتى النهاية" .
وتعيش حركة فتح في الذكرى السادسة لرحيل عرفات حالة من الانقسام حيث ينخرط معظمها في دوّامة المفاوضات مع الاحتلال دون تحقيق إنجاز حقيقي
ووصل الفلسطينيون إلى حالة من الانقسام لم يعد من السهل رأب الصدع فيها وتوحيد القطرين اللذان كانا يأتمران في يوم من الأيام بكلمة واحدة من رجل اسمه عرفات ! .