بلا أي تفاصيل، خرج إلى العلن الاتفاق بين السلطة الفلسطينية ومصر حول حقل الغاز قبالة شاطئ قطاع غزة، فقد وقع الجانبان مذكرة تفاهم بشأن تطوير حقل الغاز الطبيعي الموجود ضمن المياه الإقليمية البحرية للقطاع.
وتم التوقيع على المذكرة بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ووزير البترول المصري طارق الملا.
ووقع على المذكرة عن الجانب الفلسطيني محمد مصطفى رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار، بحضور رئيس سلطة الطاقة الفلسطينية المهندس ظافر ملحم، وعن الجانب المصري رئيس الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية، مجدي جلال، فيما لم يتم الكشف عن تفاصيل أكثر حول مذكرة التفاهم، وقيمة الصفقة المتوقع إتمامها خلال الفترة المقبلة.
الاتفاق آثار أزمة بين السلطة والفصائل خاصة حركة حماس في ظل توقيعه بتعتيم كبير ودون أي تفاصيل أو مشاركة في توقيع الاتفاقية التي لم يكشف عن بنودها.
لا يمكن الحديث عن غاز غزة من ناحية اقتصادية فقط، فهي قضية سياسية بالدرجة الأولى، تهيمن عليها السلطة الفلسطينية وترفض تدخل أي أطراف فلسطينية فيها، كما تفرض حالة من الغموض والكتمان حول تفاصيلها.
وقد كان رد السلطة عنيفا للغاية على تغريدة نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق حينما طالب بالكشف عن تفاصيل الاتفاق.
وطوال سنوات منذ اكتشاف الغاز في عام 2000 تعاملت السلطة مع هذه القضية كملف سري واكتفت في كل مرة بالإعلان النهائي عن وجود اتفاقيات دون أي تفاصيل أو حيثيات، فقد أعلنت السلطة عام 2015 في ظل وجود حكومة الوفاق، برئاسة رامي الحمد الله حينها، البحث عن شركات روسية وصينية للتنقيب عن الغاز، وتعطل هذا المشروع فيما بعد.
وبقيت قضية غاز غزة لغزا كبيرا منذ اكتشافه في أواخر التسعينيات، وظل دون تطوير أو استغلال.
وقامت السلطة الفلسطينية عام 1999 بمنح عقد حصري لشركتي مجموعة بي جي البريطانية وشركة سي سي سي المملوكة لفلسطينيين للتنقيب عن الغاز في بحر غزة.
ومع بدء عمليات البحث والتنقيب التي لم تستغرق طويلاً أعلنت الشركتان المطورتان عام 2000 اكتشاف حقلين من الغاز على بعد 30 كيلومترًا من شواطئ غزة وعلى عمق 600 متر تحت سطح البحر.
وأطلق على الحقل الأول اسم غزة مارين ويقع كليًا ضمن المياه الإقليمية الفلسطينية قبالة مدينة غزة. أما الحقل الثاني فهو الحقل الحدودي مارين 2، والذي يقع ضمن المنطقة الحدودية البحرية بين قطاع غزة و(إسرائيل).
في نوفمبر 2015، وقع صندوق الاستثمار الفلسطيني مع الحكومة الفلسطينية، ممثلة بسلطة الطاقة الفلسطينية، على مذكرة تفاهم لاستيراد الغاز الفلسطيني من حقل غزة مارين الواقع قبالة سواحل قطاع غزة.
وحددت الشركة البريطانية الكمية الموجودة من الغاز في بحر غزة بحوالي 1.4 تريليون قدم مكعب، أي ما يكفي قطاع غزة والضفة الغربية لمدة 15 عامًا، حسب معدلات الاستهلاك الحالية.
وعلى الرغم من عدم وجود أعمال تطوير أو استخراج للغاز في حقل غزة مارين، إلا أن رئيس سلطة الطاقة الفلسطينية عمر كتانة، صرح في وقت سابق، أن الحكومة بصدد تحويل محطة توليد كهرباء غزة للعمل بالغاز الطبيعي بدلاً من الوقود الصناعي المستخدم حالياً «وهذا يحتاج عملاً متواصلاً لمدة 8 شهور، للانتهاء من عملية التحويل».
في أبريل 2018، توصل صندوق الاستثمار الفلسطيني إلى اتفاق مع شركة النفط الأوروبية "شل" لخروجها من رخصة تطوير حقل غزة مارين، الذي تقدر احتياطياته بترليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
وأوضح الصندوق أن هذا الاتفاق يأتي ضمن الترتيبات الجديدة لتطوير الحقل، حيث صادق مجلس الوزراء الفلسطيني على خروج الشركة الأوروبية من الرخصة، واستبدالها بتحالف جديد يتكون من صندوق الاستثمار الفلسطيني وشركة اتحاد المقاولين الفلسطينية "CCC".
وقال إن حصة التحالف الجديد في رخصة الحقل ستبلغ 55%، أي بنسبة 27.5% لكل منهما، على أن يتم تخصيص 45% لشركة عالمية مطورة سيتم اختيارها والمصادقة عليها من مجلس الوزراء.
هناك عدة نقاط يجب التطرق لها في قضية غاز غزة:
الأولى: غياب أي آليات واضحة حول كيفية اتخاذ القرارات أو توقيع عدة اتفاقيات حول الغاز دون الكشف عن تفاصيلها او حيثياتها، ما يعكس وجود حالة من الصراع بين أقطاب تهيمن على مفاصل الاقتصاد الفلسطيني في السلطة.
الثاني: لا أحد يعرف لماذا مُنح صندوق الاستثمار وشركة اتحاد المقاولين الفلسطينية "CCC" دون غيرهما حصة من الغاز تقدر بـــ 27% وهي شركة يملكها رجال اعمال فلسطينيون، وذلك دون مناقصات أو عطاءات، وما الدور الذي ستقوم به.
ويجب الإشارة أن الشركة هي المساهم الأكبر في شركة توليد الكهرباء بغزة وأصحابها شخصيات نافذة في السلطة الفلسطينية ويسيطرون على مفاصل الاقتصاد الفلسطيني.
الثالث: في أكتوبر 1999 وقعت السلطة اتفاقا مع شركة بريتش غاز، وتنص على أن تستحوذ الشركة البريطانية على 60% من عائدات الغاز، وهي حصة كبيرة جداً لم يكشف حتى الان تفاصيل توقيع الاتفاقية ولا كيف استحوذت الشركة الأجنبية عليها.
كما منحت وفق الاتفاق السلطة الفلسطينية صلاحيات واسعة للمطورين من خلال الحق المنفرد والحصري في الاستكشاف والتنقيب والتسويق لأي مصادر طبيعية للغاز والبترول في بحر غزة.
الرابع: كشف تحقيق للجزيرة عام 2019 عن وثيقة تؤكد أن وزير الطاقة الفلسطينية آنذاك عزام الشوا قاد جولة تفاوض سرية مع نظيره (الإسرائيلي) في ملف الغاز، وتوصلا فيما بعد إلى اتفاق أولي وهو الغاز مقابل الكهرباء.
ولا خلاف على أن العقد الممنوح من السلطة الفلسطينية لشركتي التطوير مجحف بالجانب الفلسطيني ليس فقط بسبب حرمان الفلسطينيين من استغلاله حتى الآن، بل بسبب تواضع النسبة المخصصة للجانب الفلسطيني مقارنة بحصص الشركتين المطورتين وهو ما يفتح الباب واسعا أمام التساؤلات حول أسباب غموض الملف؟.