تعد مقبرة ماملا "مأمن الله" من أقدم مقابر القدس عهدا وأوسعها حجما، وأكبرها شهرة، فقد ساير تاريخها تاريخ المدينة المقدسة.
أصبحت "مأمن الله" مقبرة إسلامية بعد فتح القدس في زمن صلاح الدين الأيوبي، ودفن فيها الكثير من الأيوبيين والمملوكيين والعثمانيين، واستمرت إسلامية حتى عام 1927.
عام 1948 احتلت القوات (الإسرائيلية) الجزء الغربي من القدس، فسقطت ضمنها المقبرة، وفي العام نفسه أقرّت (إسرائيل) قانوناً بموجبه "يعتبر جميع الأراضي الوقفيّة الإسلاميّة وما فيها من مقابر وأضرحة ومقامات ومساجد بأراض تُدعى أملاك الغائبين"، وأنّ المسؤول عنها يسمى "حارس أملاك الغائبين" وله الحقّ في التصرف بها.
عام 1967 حوّلت المؤسسة (الإسرائيلية) جزءاً كبيراً من المقبرة إلى حديقة عامة، سميت حديقة الاستقلال، بعد أنْ جرّفت القبور ونبشت العظام البشرية، وزرعت الأشجار والحشائش فيها، وشقّت الطرقات في بعض أقسامها.
وتقع مقبرة مأمن الله التاريخية العريقة في غرب مدينة القدس القديمة على بعد كيلومترين من باب الخليل، وتقدر مساحتها ب200 دونم، وتضم أضرحة قادة وشهداء وصحابة وتابعين مسلمين كثر، دفنوا فيها منذ عهد الفتح الإسلامي.
وقد لا يعرف القارئ أن مقبرة مأمن الله صودرت تدريجيا كعادة الاحتلال الذي ينسل بهدوء لسرقة الأرض عبر مشاريع تهويدية منتظمة بحيث لم يتبق من مساحة المقبرة دون تهويد سوى 20 دونما فقط.
وقد ذكر شهود عيان لـ “مؤسسة الاقصى للوقف والتراث” أن جنود الاحتلال قبل عامين جمعوا عظام رفات عدد من الصحابة المدفونين في المقبرة ووضعوها في صناديق وحملوها إلى جهات غير معلومة.
ثم كشف الاحتلال عن أسماء شركات صهيونية عالمية أهمها شركة فزينطال شاركت في بناء ما يسمى “متحف التسامح” في القدس المحتلة الذي بني فوق مقبرة مأمن الله، وبكل سرية وتكتم عن تفاصيله.
وقد كتب المؤرخ الفلسطيني البروفيسور مصطفى كبها معلقا على بناء “متحف التسامح”، وقال إن الكشف عن استكمال بناء هذا المتحف قد استفزه من أعماقه لافتا لقيامه على 15000 رفات وهياكل عظمية مقبورة في ثماني طبقات يعود أقدمها للفترة العباسية.
ويتابع كبها في صفحته متسائلا: "يجهد الكاتب نفسه في وصف أهمية المركز وكيف سيكون والعياذ بالله "منارة" للتسامح بين المركبات السكانية المختلفة التي تسكن القدس. عن أي تسامح يتحدثون؟ وعن أي قيم؟”.
عضو لجنة الدفاع عن أراضي القدس صالح الشويكي، تحدث للرسالة عن مشروع المتحف المجهول وعن مشاريع أخرى تقام تدريجيا على أراضي المقبرة قائلا: "متحف السلام والحب هو متحف ماسوني تشرف عليه الماسونية العالمية وقام على رسالة كاذبة وان كانت في ظاهرها تدعو للسلام".
ويضيف:"يدّعون أن مركزهم الذي سيقام على رفات الصحابة والقبور التاريخية هو مركز للحب والتسامح، بل متحف للديانات الثلاث!!
ويتساءل الشوبكي: أي سلام وأي محبة؟ تدعي (إسرائيل) أن المتحف سيكون متحفا للديانات الثلاث وهل يعرف الاحتلال لغة سوى لغة الموت والدمار.
ويلفت الشوبكي إلى أن المتحف ليس وحده هو المشروع المقام، بل هناك برك سباحة ونواد ليلية، وملاه للأطفال، لافتا إلى أن الأمر أكبر من ذلك وقد وصل إلى مراكز للشواذ الجنسي وبيوت للدعارة.
ويتحسر عضو لجنة الدفاع عن القدس عند مروره أسبوعيا على المقبرة ويرى الطريقة التي يجري بها الاعتداء على الأموات.
يذكر أن الاحتلال قد حول جزءا كبيرا من المقبرة إلى حديقة عامة وملاه للأطفال ومواقف واسعة للسيارات، كما وهدم شواهد القبور لتمديد شبكات الكهرباء والمياه. وذكرت بلدية الاحتلال في مرات عديدة أنها ستحول المنطقة بالكامل إلى منطقة للسياحة والاستجمام.