على درجات البيت القديم الذي بني بقطعة من الروح تصعد الحاجة أسمهان الشويكي، أم الأسير والشهيدين، الأرملة التي عانت صبية من فقدان الزوج، وبعدها تربية الأطفال واستشهاد اثنين منهم، وأسر الثالث.
فقدت الحاجة اسمهان ابنها زهري، ثم ابنها نزار، قبل أن يرحل والدهم، واليوم، في حي بطن الهوى في سلوان بالقدس المحتلة، عاشت أم زهري عمرا طويلا من الشقاء، وهي تبني البيت حجرا حجرا، قبل أن تعلن محكمة الاحتلال أنها ستهدمه منتصف الشهر الماضي.
قرار الإخلاء تسلمته العائلة مؤخرا من جمعية "عطيرت كوهنيم " الاستيطانية، تمهيدا لهدمه، بيت عاشت فيه العائلة أربعين عاما، ثم تأتي الجمعيات الاستيطانية لتدعي ملكيتها للأرض.
وتصف الحاجة أم نزار خوفها لدى تسلمها القرار، مع ملامح الأسى التي أظهرتها سنوات شقاء وحرمان متعمد من كل شيء، حرمان من الابن والزوج والحق في السكن، حرمان يتقن الاحتلال ممارسته.
"لقد عشت في هذا المنزل أربعين عاما، أنجبت فيه أبنائي جميعهم، وفيه تلقيت خبر استشهادهم، ثم اعتقال الثالث، ومنه رحل زوجي إلى مثواه الأخير، في منزلي كل ذكرياتي وكل قصصي، ولا أستطيع مغادرته".
تعيش الحاجة أم نزار حالة من التأهب رغم صدور قرار مؤقت بتأجيل الهدم، وليست هي وحدها التي تعاني من مصادرة حقها بالعيش، بل هناك عشرات العائلات التي تعيش كابوس الهدم في القدس.
عضو لجنة الدفاع عن أراضي بلدة سلوان، فخري أبو ذياب يقول: "الاحتلال يتفنن في اصدار القرارات التي تبرر الاستيلاء على منازل المقدسيين وبتذرع أن ملكية الأرض تعود لليهود اليمنيين ما قبل الاحتلال عام 48 وفي زمن الدولة العثمانية حينما كانوا يأتون لزيارة القدس والأماكن المقدسة حسب ما تقوله المحكمة.
وبين أبو ذياب أن 6800 منزل مخطر بالهدم والاخلاء في بلدة سلوان أي أن ما نسبته 40% من أهالي سلوان ستهدم بيوتهم، وكل هذا بحجة أن هذه البيوت بنيت دون تراخيص.
يذكر أن الاحتلال لا يعطي تراخيص للبناء لأهالي القدس منذ سنوات ويمنعهم من ترميم بيوتهم ثم يأتي لهدمها إذا حاولوا الترميم أو البناء، فيما تمنح المستوطنين تراخيص فورية.
ويضيف أبو دياب: جميع أهالي بطن الهوى يملكون أوراقا تثبت ملكيتهم لأراضيهم ورغم ذلك فإن وتيرة اعتداءات الاحتلال ومحاولته السيطرة على بلدة سلوان في ازدياد ملحوظ، وهو كل يوم يوزع إخطارات بالهدم وأخرى بالإبعاد والاعتقال وكل ذلك خوفا من أهالي سلوان ومواقفهم في الدفاع عن المسجد الأقصى.
وقال أحمد القراعين عضو لجنة الدفاع عن سلوان في مقابلة مع الرسالة إن السر في استهداف سكان حي بطن الهوى موقعه الاستراتيجي حيث أنه يتوسط منطقة سلوان، وهو امتداد لـ"جبل الزيتون"، ويقع في الزاوية الشرقية للقدس، حيث يفصله عنها وادي سلوان الذي يتَّصل بوادي قدرون في النقطة نفسها، وهو أحد أكبر أحياء سلوان، وقد صودر قبله ما يزيد عن 73 ألف دونم من المنطقة لغاية إقامة المستوطنات عليها.
وبدأ الاستيطان في البلدة ببؤرتين في حي بطن الهوى عام 2004 أضيف لها مركز شرطي للحراسة، وفي عام 2017 ارتفع العدد إلى ثلاثين عائلة يهودية.
ويلفت القراعين أن الرواية اليهودية تدعي أن الأراضي تعود إلى يهود يمنيين سكنوها قبل الاحتلال بسنوات وتملكوها.
ويقول قراعين إن رواية الأجداد تؤكد أن اليهود اليمنين أتوا إلى سلوان عمالا مأجورين لدى أهل المدينة وملاك الأرض الفلسطينيين ثم ما بعد الاحتلال يريدون أن يتملكوا ويسرقوا الأرض، وهناك أوراق لدى أهالي سلوان تثبت ملكيتهم وكذب الرواية اليهودية.