تهدد الصين بشكل متكرر بحظر تصدير المعادن النادرة، وتستخدم ذلك وسيلةَ ضغط ناعمة، لكن إشعال فتيل الصراع سيكون سلاحا ذا حدين، وقد يضر بالمصالح الإستراتيجية الصينية.
في تقرير نشرته صحيفة "لوموند" (lemonde) الفرنسية، يقول الكاتب جان ميشال بيزات إن الصين تستحوذ حاليا على 80% من المعادن النادرة في العالم، وهي تشكل تهديدا حقيقيا على الولايات المتحدة، بالنظر إلى أهمية هذه المعادن في العديد من الصناعات الحيوية الحديثة.
فالمعادن الأرضية النادرة هي مجموعة من 17 عنصرا كيميائيا تستخرج من قشرة الأرض، وتكمن ندرتها في محدودية الأماكن التي تستخرج منها، وقد تم اكتشافها لأول مرة في أواخر القرن الـ18 بالسويد.
وتدخل المعادن الأرضية النادرة في صناعات متعددة، من المنتجات الطبية كعقاقير علاج مرض السرطان، إلى منتجات التكنولوجيا الفائقة والعتاد العسكري.
الأكبر في العالم
تمتلك الصين أكبر مصانع لمعالجة المعادن الأرضية النادرة في العالم، وتأتي في مقدمة الدول القليلة المنتجة لهذا النوع من المعادن، حيث تحتكر قرابة نصف الاحتياطي العالمي للمعادن الأرضية النادرة.
وفي عام 2002، أغلقت الولايات المتحدة منجم "ماونتن باس" (Mountain pass) للمعادن النادرة في كاليفورنيا، والذي كان يرمز لسيطرة الولايات المتحدة على إنتاج المعادن التي أصبحت حيوية لصناعة السيارات والاتصالات والطاقات المتجددة والتسليح، بسبب التكلفة ومخاطر التلوث.
ورغم أنها أعادت افتتاحه في 2010، فإن طاقته الإنتاجية لا تقارن حاليا بمناجم منطقة باوتو في منغوليا الداخلية، والتي يُطلق عليها اسم "وادي سيليكون المعادن النادرة".
وقد أثارت هذه المسألة قلق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وهو ما دفعه إلى اقتراح شراء جزيرة غرينلاند الغنية بهذه الموارد الثمينة.
وبطريقة أكثر دبلوماسية، أعلن الرئيس الحالي جو بايدن عن إعطاء الأولوية لتأمين موارد 4 منتجات حيوية، هي أشباه الموصلات وبطاريات السيارات والمكونات الصيدلانية النشطة والمعادن النادرة، وهو قطاع سيستغرق 10 سنوات على الأقل لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
في عام 2019، هددت الصين بتقليص صادرات المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة، ردا على حظر شركة "هواوي" (Huawei)، وخلال الأيام الماضية أطلقت بكين تهديدا مماثلا لثني واشنطن عن بيع مقاتلات "إف-35" (F-35) إلى تايوان، كما تعتزم الصين حظر التصدير إلى الدول المعادية لتقنيات تكرير المعادن.
وتخوض الصين هذا الصراع غير المسلح بكل هدوء وتفرض شروطها، في انتهاك واضح لقواعد منظمة التجارة العالمية، وقد زادت المخاطر على معادن أساسية مثل المغناطيس الدائم المستخدم في محركات السيارات الكهربائية والمحركات النفاثة وتوربينات الرياح وأجهزة التصوير الطبي.
تأميم المعادن
المشكلة لا تتعلق فقط بالتهديدات الصينية، بل أيضا بزيادة معدلات الاستهلاك العالمي للمعادن النادرة والافتقار إلى البدائل.
وقد عملت الولايات المتحدة على افتتاح بعض المناجم في دول صديقة مثل أستراليا والأرجنتين وكندا، لكن هذه الأنشطة مكلفة وتخضع لمعايير بيئية صارمة، ولا يمكن أن تلبي الحاجة المتزايدة للمعادن النادرة.
ووفق الكاتب، فإن الصين ليست البلد الأول الذي يلجأ إلى سياسة "تأميم" الثروة، لتكون وسيلة للضغط، بل سبقتها إلى ذلك الدول الأفريقية والآسيوية في مرحلة ما بعد الاستعمار، خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
لكن الفرق، أن الصين تتمتع اليوم بقوة اقتصادية وعسكرية هائلة تدعم طموحاتها وتحمي مصالحها وتمكنها من المناورة والضغط، عكس الدول الأفريقية والآسيوية في فترة ما بعد الاستعمار.
ولعل المثال الوحيد الناجح سابقا لاستخدام سلاح المواد الخام سلاحا فعالا على مستوى دولي -وفقا للكاتب- هو الحظر الذي فرضته دول النفط العربية عام 1973 ضد "حلفاء إسرائيل".
لكن، هل تنوي بكين حقا استخدام هذا السلاح؟ يرى الكاتب أن ذلك ممكن في حال نشوب نزاع مسلح حول تايوان على سبيل المثال، لكنه سيكون سلاحا ذا حدين، لأن الصين لها مصلحة في بيع منتجاتها المصنعة وعدم دفع الغرب نحو البحث عن حلول بديلة.
المستورد الأول
إلى جانب كونها المصدر الأول للمعادن النادرة في العالم، يقول الكاتب إن الصين هي في الآن ذاته أكبر مستورد، وتعتمد بالأساس على معادن بورما المجاورة من أجل عدم استنزاف مواردها.
وتلعب هذه المعادن دورا محوريا في إستراتيجيات الصين وخططها المستقبلية، حيث تغذي صناعات التكنولوجيا الفائقة وتخدم تحوّلها نحو اعتماد الطاقات المتجددة والسيارات الكهربائية وغيرها من الصناعات المتطورة.
ويرى جون سيمان -في دراسة له بعنوان "الصين ومعادن الأرض النادرة"- أن طموح التحول إلى "صفر انبعاثات كربونية" في 2060 هو الذي يصنع "القيمة الحقيقية لهذه الثروة الطبيعية" في الصين، ويؤكد أنه من غير المنطقي اختزال المسألة ضمن إطار الصراع الجيوسياسي.
المصدر : لوموند