بوتيرة متسارعة تأتي القرارات بقانون والتي يصدرها رئيس السلطة محمود عباس، في مخالفة واضحة للقانون الأساسي الفلسطيني، وحالة التوافق حول اجراء الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، وهو ما ينذر بإمكانية تفجير هذه الحالة وتعطيل العملية الانتخابية.
ويحاول رئيس السلطة من خلال تلك القرارات بقوانين؛ فرض أمر واقع على الحالة الفلسطينية متجاوزا المجلس التشريعي والسلطات القضائية، مما يعقد ويعرقل السير في خطوات انهاء الانقسام وتعزيز المصالحة واجراء الانتخابات.
ومؤخرا أصدر عباس قراراً بقانون يقضي بتأجيل انتخابات النقابات والاتحادات والمنظمات الشعبية، لستة أشهر.
وينص القرار على أن "يستمر نقباء وأعضاء مجالس النقابات، ورؤساء الاتحادات والمنظمات الشعبية وهيئاتها الإدارية، بتولي المهام المنصوص عليها قانوناً خلال المدة المشار إليها في المادة (1) من هذا القرار بقانون".
وأشار إلى أنه "بعد انتهاء مدة التأجيل المشار إليها في المادة (1) من هذا القرار، يتولى النقباء وأعضاء مجالس النقابات ورؤساء الاتحادات والمنظمات الشعبية وهيئاتها، اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لإجراء الانتخابات وفقاً لأحكام القوانين ذات العلاقة".
سبق هذا القرار جملة من القرارات بقانون والتي مسّت بشكل مباشر استقلالية القضاء الفلسطيني من اقالة قضاة وتعيين آخرين وتشكيل مجلس قضاء أعلى، وليس أخيرا التدخل وتقييد عمل الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية.
تفرّد مرفوض
وينتقد رئيس تجمع النقابات المهنية في قطاع غزة د. سهيل الهندي اتخاذ هذا القرار بقانون لتأجيل انتخابات النقابات والاتحادات والمنظمات الشعبية بشكل منفرد ودون الرجوع إليها أو مشاورتها في هذا الأمر.
ويُبدي الهندي في حديثه لـ"الرسالة" استغرابه من تجاوز جهات الاختصاص وخاصة التي يتعلق القرار بها، لا سيما في ظل حالة التوافق والأجواء الايجابية والتجهيز لإجراء الانتخابات العامة، مبينا أن التفرد بالقرارات وإصدارها بقوانين هو أمر مرفوض لديهم.
ويشير إلى أنه لا يحق لأي شخص مهما كان منصبه اتخاذ قرارات بشكل منفرد والأصل العودة للجهات المعنية وعلى رأسها النقابات المهنية وهي صاحبة القرار والسيادة في هذا الموضوع.
انهيار للنظام
ويرى رئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق د. عصام عابدين، أن ما يجري هو انهيار شامل للنظام السياسي الفلسطيني وانتكاسة خطيرة جدا في منظومة الحقوق والحريات يرتكبها رئيس السلطة.
ويوضح عابدين في حديثه لـ"الرسالة" أن هذه محاولة لحرق كل شيء على الأرض، بعد الاطاحة بالبرلمان الفلسطيني والقضاء من خلال القرارات بقانون، وما تلاه من إطاحة بالجمعيات الخيرية والهيات المحلية، من خلال القرارات بقانون وأخيرا جاء دور النقابات والاتحادات.
ويؤكد أن المستهدف بشكل رئيس من خلال هذا القرار هي نقابة المحامين الفلسطينيين، وبخاصة بعد أن جرى تحديد اجتماع الهيئة العامة للمحامين الفلسطينيين لإقرار التقارير المالية والإدارية في 2021/4/4 والتهيئة لانتخابات مجلس نقابة المحامين المقررة في 2021/4/5 وتشكيل اللجنة المركزية واللجان المحلية للإشراف على العملية الانتخابية.
ويبين عابدين أن هذا القرار يستهدف النقابة وانتخاباتها في ضوء سلسة الاحتجاجات والفعاليات التي قادتها منذ صدور القرارات بقوانين والاعتراض عليها ومواصلة الفعاليات والاعتصامات والبيانات المشتركة منذ أشهر من قبل نقابة المحامين والهيات والمجتمع المدني وعدد من الأحزاب السياسية.
شراء الصمت
ويؤكد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" الحقوقي صلاح عبد العاطي، أن هذا القرار يدلل على أننا ذاهبون لسلسة من القرارات بقوانين من أجل جعل المجتمع الفلسطيني يخضع بالكامل لإرادة الرئيس عباس، سواء القوى السياسية ثم المجتمع المدني وسابقا حرية الرأي والتعبير ثم القرارات بقوانين التي تمس حقوق وحريات النقابات والجمعيات الأهلية.
ويبين عبد العاطي في حديثه لـ"الرسالة" أن هذا الأمر يدل على استمرار سياسة التفرد والاستبداد المخالفة لقواعد القانون الأساسي الفلسطيني ولجملة المعايير التي وقعت عليها دولة فلسطين وهو يأتي في اطار عدم اكتراث الرئيس بكل المعارضة للسلطة من المحامين وكل الأطراف المعنية باستقلالية السلطة القضائية.
ويوضح أنه لا يمكن فهم الأمر إلا في إطار هندسة الانتخابات الفلسطينية وشراء صمت الجميع اتجاه أي خروقات يمكن أن تحدث، وخاصة أن الرئيس لم يستجب حتى للحد الأدنى من التوصيات التي صدرت عن حوارات القاهرة.
ويشير إلى أن عباس يصدر هذه القرار رغم علمه بأن المجلس التشريعي يمكن أن يراجعها على قاعدة الغائها؛ ولذلك يجب التوقف عن إصدار مثل هذه التشريعات بقوانين وضمان احترام سيادة القانون واحترام الحقوق والحريات المكفولة بالقانون الأساسي الفلسطيني وجملة التشريعات الدولية ذات الصلة.