من حقبة السبعينات عمد الشيخ أحمد ياسين إلى مرحلة تغيير تجلى قبلها مرحلة صمت وطني فلسطيني والرضا بالظرف السياسي واستقرار حياتي للفلسطينيين تحت الاحتلال بدأ الشيخ بزراعة الوعي واليقظة والنهوض ونفض غبار الغفلة والاستقرار النفسي وتذكير الشعب الفلسطيني بأن له حق مسلوب وأرض محتلة ومقدرات ضائعة فكانت بداية الشيخ مع جموع رواد مسجده ومن ثم امتد لمساجد أخرى حتى شكل شبكة دعوية على امتداد قطاع غزة لتكون عبارة عن قاعدة لانطلاق حركة حماس والتي أطلقت بيانها في ديسمبر لعام 1987 لم يكن هذا البيان عبارة عن قص شريط لمشروع اقتصادي أو اجتماعي هو بيان لانطلاق عمل حركة سياسية دينية اقتصادية اجتماعية شورية اختلفت شعاراتها عما سبقها من حركات التحرر لاختلاف الفهم الوطني لنِواتها.
يذكر للشيخ أنه قدس الإنسان في بناءه لحركته حيث كان المورد البشري أساس مقدراته فقوى عجزه الجسدي بإخوانه ورفاقه فكانوا أقدامه وأذرعه للوصول لمراده، أشعل النور في دروبهم بعقله اليقظ الذي أتقن التكتيك والإدارة دون أن يدرسها على مدرجات الجامعات علم أن المشاريع الكبيرة تحتاج أبناء الشعب كافة يساره ويمينيه، حاول أن يعرض نفسه وحركته على جموع شعبه عرضا ناعما ليصل الي حسهم الوطني الذي بهت بالتعود لوجود المحتل في أرضهم وليشعل نار حقهم في الجهاد والمقاومة. وجد الشيخ الترحاب والتبني لبرنامج حركته وسط اشتعال لهيب الانتفاضة الأولى (انتفاضة الحجارة) بدأ وتلاميذه باستقطاب أبناء شعبه ليقوى قاعدة الحركة حيث تمتع فما بعد بموقع روحي وسياسي متميز في صفوف الفصائل الفلسطينية ومقاومتها، مما جعله من أهم رموز العمل الوطني الفلسطيني طوال القرن الماضي.
بدأ الشيخ بعد ذلك مرحلة التطور من الدعوة الي البناء خارج المسجد والعمل على بداية الاستراتيجيات الأخرى كان من أصعب الأحداث التي زرعت الهم داخل قلب وعقل الشيخ وأثرت في حياته الفكرية والسياسية هي هزيمة عام 1948 واحتلال الأرض فعلم جيدا أن ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بها وأن الاعتماد على سواعد الفلسطينيين لا غيرهم حيث صرح ذات مرة في حديثه عن تلك الحقبة الزمانية "لقد نزعت الجيوش العربية التي جاءت تحارب إسرائيل السلاح من أيدينا بحجة أنه لا ينبغي وجود قوة أخرى غير قوة الجيوش، فارتبط مصيرنا بها، ولما هزمت هزمنا وراحت العصابات الصهيونية ترتكب المجازر والمذابح لترويع الآمنين، ولو كانت أسلحتنا بأيدينا لتغيرت مجريات الأحداث". فكانت المرحلة التالية في بناءه هي اعداد العدة العسكرية وتشكيل جناح الحركة العسكري الذي أُطلق عليه (كتائب عز الدين القسام) حيث بدأ عملياته بالسكاكين والخناجر ليعلو مقامه ويزيد عتاده ويكون جيشا يُحسب له الحسبان بل يكون قاعدة لغرفة عمل عسكري مشتركة تجمع السلاح الفلسطيني بكل ألوانه لأجل قهر المحتل.
لم يكن الشيخ احمد ياسين لأبناء حماس فقط فكان صدى طرقات بابه التي تسقط في مسمعه لا تميز بين هذا وذاك فكان بيته المتواضع جدا بيت أمان للهفان والجوعان والضرير وصاحب العسرة. أدرك الشيخ باكرا أن الشعب لا يحتاج فقط للإغاثة وسد الحاجات بل بحاجة الي معاقل علم تبني العقول التي تسد رمق البطون وتعيد الأرض وتبني الدولة فوضع حجر الأساس لأكبر ولأول جامعة في قطاع غزة الجامعة الإسلامية، وكان له من انتاجها ما أراد.
كانت التحديات والتهديدات في حياة الشيخ كبيرة وكثيرة منها الجلي ومنها الكامن ولكنها لم تعرقله بل تمَعن جيدا بالفرص، استثمرها ووضعها نصب عينيه ليُنميها ويجعلها أسلحة لمساره ليرحل بعد ذلك عن الدنيا بشهادته لربه وبشهادة الكون له أمام الله بأنه كان قائد عمل وبناء همام حفر الأرض الجرداء متيقنا أن بها ماء يصلُح ليكون جدولا عذبا فراتا. رحل الشيخ تاركا إرثا ثقيل الميزان على من خلفه فحُق لهم أن يصدحون "أتعبت من خلفك يا إمام"، فستة عشر عاما على رحيل صاحب البذرة التي باتت شجرة استظل تحتها العابرون وأكل من ثمارها القائمون.