ورثت (إسرائيل) سجن الرملة عن بريطانيا، التي خرجت وخلفت وراءها سجونا ومعتقلات استخدمها الاحتلال استخداما جيدا لدعم مؤامرته، حيث بدأت قصة الأسر بسجين واحد وهو الأسير المقدسي محمود بكر حجازي،وانتهت اليوم بعشرة آلاف معتقل يتوزعون على سجون (إسرائيلية) بنيت على مدار سبعين عاما من الاحتلال.
وكانت الزنزانة رقم 139 هي الأولى التي قضى فيهامحمود حجازي ست سنوات من عمره، كأول معتقل في زنازين الاحتلال وذلك بعد مشاركته مع مجموعة فدائية في تفجير جسر كان يستخدمه جيش الاحتلال (الإسرائيلي)ممراً إلى المدن الفلسطينية بالضفة الغربية قرب بلدة بيت جبرين جنوب الخليل بتاريخ 7 يناير/كانون الثاني 1965، وقد أسفرت العملية عن مقتل 24 إسرائيليا.
مثل أي مقدسي عاش في أكناف الأقصى، انخرط حجازي في العمل المقاوم، ليس رغبة منه، وإنما عنوة يفرضها الواقع المؤلم الذي يمارسه الاحتلال على الفلسطينيين، والمنطق يقول لا بد من مقاومة الظلم.
قاوم حجازي ثم اعتُقل، وهو يذكر في لقاء قريب له قبل وفاته بالأمس نقطة تحول جعلته ينخرط في صفوف المقاومة، بعد أن كان يعمل سائقا عاديا بين الضفة الغربية والأردن في ذلك الوقت: "لقد عايشت كل تفاصيل سلب الأرض، في عام 48، بل فتح بيتنا لاستقبال الهاربين من مجزرة دير ياسين، وأصبت في مواجهات مع الاحتلال وأنا ابن الثانية عشرة".
وهكذا تعقب حجازي أخبار الثورة التي مرت بحياته في كل حقباتها، منذ عبد القادر الحسيني وحتى انخراطه في صفوف حركة فتح ثم دخوله المعتقل كأول معتقل فلسطيني في سجون الاحتلال.
بعد العملية، اعتقل حجازي وهو مصاب، وطالبت جهات (إسرائيلية) بإعدامه، بتهمة دخوله الأراضي المحتلة دون تصريح ومشاركته في تفجير أسفر عن مقتل 24 جنديا (إسرائيليا)، ادعى الاحتلال أن القتلى كانوا من الأطفال والنساء.
حوكم حجازي بالمؤبد، ولكنه عاش ويلات الاعتقال كما يعيشها الأسرى اليوم، بفارق أنه عاش وحيدا ليس له شريك في زنزانته، دون دعم نفسي ودون إعلام يسلط الضوء على قضيته.
نكل به السجان، حتى أنه حاول قتله بوضع السم في طعامه، بالإضافة إلى الإهمال المتعمد في علاجه كأسير حرب مصاب.
أفرج لاحقا عن حجازي في عملية تبادل نوعية تمت في رأس الناقورة أشرف عليها أبو عمار في فبراير من عام 71، تزوج بعدها وهو ابن الخامسة والثلاثين وأنجب ستة أبناء وعاش حياته في رام الله حتى توفي عن عمر يناهز الخامسة والثمانين عاما.
وقد نعت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية في بيان صحافي لها، أول أسير لحركة فتح والثورة الفلسطينية، كما نعته لجنة الأسرى في بيان لها مشيرة أنالراحل الكبير فقيد فلسطين والحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة محمود بكر حجازي كان مناضلا فلسطينيا شرسا وعنيدا وقد تعرض بعد اعتقاله على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي لكل ألوان التعذيب.