القهوة رفيقة الوقت، لها حب خالص في قلوب الفنانين والأدباء ورواد المسرح ممن لا تحلو أوقاتهم إلا وبين أصابعهم فنجان من قهوة متقنة الصنع، فهو رفيق السهرة والقلم والموسيقى.
في سبتمبر الماضي افتتح محمد هليل مشروعه الخاص في ساحة الجندي المجهول في قطاع غزة، بعد أن أطلق عليه اسم "قهوة الفنانين"، ليجمع على فنجان قهوته عددا من المخرجين والممثلين ورواد السينما والمسرح من زملائه ورفقاء تجربته في عالم التمثيل.
ولعل أوضاع الفنانين والمخرجين ومن يعملون في عالم الموسيقى والثقافة والفن خلقت واقعا جديدا لهذه الفئة التي لم تجد مسرحا يحتويها، ومحمود هليل ليس الأول، فقد سبقه الكاتب والروائي هاني السالمي والذي افتتح كشكا للقهوة على شاطئ بحر غزة.
وهليل كمال السالمي، رب أسرة ولديه أبناء، يسكن في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، لديه تجارب كثيرة في التمثيل والدراما، وقد بدأ حلمه منذ طفولته، وفي عالم غزة المتشابك والمعقد.
تضيق الساحة بالفن وأصحابه، حينما تصدم بلقمة العيش وإعالة الأسرة، ما اضطر هليل البالغ ثلاثة وثلاثين عاما لأن يفتتح مشروعا يسد به رمق أسرته، فبدأ عمله ببيع الذرة، ثم القهوة والشاي.
يعيش هليل في منزل مكون من ثلاث غرف، في المخيم، يعيل أسرة مكونة من ستة عشر فردا، يشتركون معه في المنزل أخوته وزوجاتهم ولا زال يتذكر تجاربه الطويلة في المسرح ويتمنى أن تعود يوما ما.
شارك في أكثر من 30 عرضاً مسرحياً وأربعة مسلسلات درامية أنتجت في غزة، لكن الفن في غزة تحديدا، لا يسمن ولا يغني من جوع، ما اضطر هليل للعمل في مهن أخرى ليعيش.
ويصف هليل مشروعه بحماسة: "هذا المشروع لأجل تأمين حياة كريمة لي، وأنا أعرف الكثير من الأصدقاء والفنانين، ممن أصبحوا زبائن لدي في الهواء الطلق، يجلسون فأحضر لهم الشاي والقهوة ويتبادلون ذكريات الفن البسيطة وتجاربهم التي لا تغيب عن الجلسات منهم أصحاب فرق شبابية وموسيقية لا زالوا يعملون حتى الآن".
وتشكل الأوضاع الاقتصادية السيئة عقبة أمام الفن والفنانين في غزة، وحاجزا أمام تعلم الموسيقى والمسرح والفن، فهذا الفن مكلف جدا، بالإضافة إلى قلة أصحاب الاختصاص، كما أن الأولويات في قطاع غزة مرتبة بشكل لا يمكن أن يوضع الفن في رأس قائمتها، فالجوع والبطالة والحصار، أخذ حق أهل غزة في الحياة والفن والثقافة.