منذ قديم الأزل ربط العرب التقييمات بحالة الطقس، فكان لكل شهر طقسه وطقوسه، وزراعته وحصاده، وأمثاله الشعبية التي تحكي عن كل ذلك، فقالوا: "مطرة نيسان بتساوي الشكة والفدان والراقد على الصيصان" لما لها من فوائد للزرع والضرع أيضا.
وفي فلسطين تحديدا سمي شهر نيسان بشهر الخمسان، إشارة إلى أن كل خميس في هذا الشهر له طقس يختلف عن الآخر، وينتظره الفلاح بشغف، وكل ما فيه مرتبط بحالة الجو، التي ستؤثر على حالة النبات والزرع.
شهر نيسان أو شهر الخمسان، يقول عنه الفلاح الفلسطيني هو "شهر جمعيه خير على الفلّاح، لأن فيه تفقس الصيصان، وتلين ضروع البقر والغنم مع اعتدال الجو، ويزداد عدد المواليد من الخرفان والسخول، وتكثر صدقات الفلاح".
يقول حمزة العقرباوي المختص بقضايا التراث واصفا هذا الشهر: "الخميس الأول خميس الزرع، يزيد الزرع قوة، وصلابة، ويصبح أكثر فائدة للرعي وفيه يقول المثل: "في شهر الخميس كل أخضر بييبس".
ويحاول الفلاحون تناول النباتات بكثرة في هذا الأٍسبوع على حساب تناول اللحوم، ويبدأ سكان القرى بالخروج إلى السهول والمروج، ويبدؤون بجمع النباتات البرية، من قبيل العكوب، والبقلة التي تطبخ مع البرغل، والحميض، والخس، واللسينة التي تحشى كورق العنب ويعرفها أهل الشمال.
أما الخميس الثاني من الشهر فيقول العقرباوي: "نسميه خميس الموسم، وهو خميس موسم زيارة النبي موسى وفيه كنا نحشد الزيارة نحو القدس لزيارة الأماكن المقدسة، وزيارة مقام النبي موسى، ولكن الآن لم يعد بمقدورنا الاستمرار بهذه الطقوس بسبب حواجز الاحتلال الإسرائيلي.
وتنقل روايات أخرى أن خميس الموسم سمي بذلك نسبة لتقلب الجو والحرارة والغبار، فيما كانت الطقوس قائمة على سلق البيض مع قشر البصل لتلوينه، ثم يدور الأطفال على البيوت ليأخذوا البيض الملون والمسفن.
ويرى العقرباوي أن معظم هذه الطقوس تبدلت واختفت، ما عدا موسم زيارة النبي موسى وسلق البيض الذي لا زال حاضرا في بعض البيوت الفلسطينية وتقوم به الجدات.
ووفق العقرباوي فإن الجيران كانوا يوزعون على الأطفال حلوى الملبس باللوز، أو ما يسمى بيض الحمام، بالإضافة إلى المسفن الذي تصنعه النساء في الطابون وتفرقه عن أرواح الموتى، وكان الأطفال يغنون وهم يدورون على بيوت الجيران أغنية واحدة: "شحدوني بيضة ولاّ مخَمَّرة!! فيغنمون ببيضة مسلوقة أو مخبوزة مسفن.
ويضيف العقرباوي: "كان الفراعنة والكنعانيون قديما يعطون البيض أولوية كبيرة في طقوسهم الاحتفالية ويعتقدون أن البيضة هي رمز لعودة الحياة في الربيع بعد أن كانت قد ماتت في الشتاء، فيكثرون من الاحتفال في شهري آذار ونيسان".
أما الخميس الثالث من نيسان والذي يعتدل فيه الجو، وتلطف الأمطار أيامه، فكان يسمى خميس غسيل الأموات وفيه يقول المثل الشعبي: "شتوة نيسان الي بتحيي الأبدان" ويعتقد الفلاحون أنها الجمعة المناسبة لزيارة الأموات والتصدق وإخراج الندور.
وبجزم الفلاح الفلسطيني أنه لا بد من المطر في الخميس الثالث من نيسان، وجاء ذلك في الأمثال الفلسطينية: (لو ألقو الدْريس على الدْريس، لا بد من شتوة الخميس)، والدْريس هو الشوك، والمعنى لو التقى شوك هذه السنة على شوك السنة الماضية، لا بد من هذه المطرة السريعة لتخفف من تراكم الأشواك.
ويكمل العقرباوي قصة الخمسان: "لأن الشتوة في نيسان عزيزة ولها كثير من الفوائد للزرع والضرع كان الفلاحون في الخميس الأخير من الشهر وبعد الشتوة الأخيرة في نيسان، يمنعون الحلال من الحلب ليوم كامل، ثم يحلبونه ويعدون من حليبه "هيطلية" و"رز بالحليب" يوزع على الجيران والفقراء كصدقة جارية، ويخلط بالخروب الجبلي.
ثم يُجَز صوف الضأن، وتغسل المواشي، وتصبغ ظهورها باللون الأحمر، وهكذا يتم وداع الشتاء واستقبال الصيف.