قائد الطوفان قائد الطوفان

في ظل المعطيات السياسية الراهنة

بناء المؤسسة الأمنية يتعرقل بخارطة الطريق

الأجهزة الأمنية التابعة في الضفة
الأجهزة الأمنية التابعة في الضفة

       

مسئول أمني: يجب فصل الأمن عن السياسة وتوضيح إستراتيجيته

لواء متقاعد:  ينبغي إيجاد مرجعية تعمل برقابة من التشريعي

محلل أمني: استثناء أجهزة الضفة سيخلق أزمة أمنية

النائب الأشقر: بناء الأجهزة في ظل التنسيق الأمني أمران لا يستقيمان

فارس: يجب مناقشة التزامات السلطة والمنظمة على أساس الشراكة

غزة- عدنان نصر 

يواجه إعادة رسم الخريطة الأمنية في الأراضي الفلسطينية ضمن ملفات المصالحة تضاريس وعرة بسبب خارطة الطريق الإسرائيلية- الأمريكية، ما يجعل  صياغة الأجهزة الأمنية على قاعدة مهنية بعيدا عن الانتماء الفصائلي ضرباً من الخيال في ظل المعطيات السياسة الراهنة التي أسدلت واقعا كئيبا على الساحة الفلسطينية.

وبعيدا عن عاصفة المخاوف التي أحدثها تقرير "غولدستون" من أن تذهب جهود القاهرة الرامية للوصول إلى مصالحة فلسطينية أدراج الرياح- فإن حركتي حماس وفتح أبدت ارتياحهما سابقاً من نصوص الورقة المصرية باعتبار أنها قابلة للتطبيق، وتتضمن نقاطا ايجابية يمكن أن تؤسس لاتفاق بين الفصيلين من ناحية ، وبين سائر الفصائل الفلسطينية من الناحية الأخرى على أساس المشاركة الكاملة.

ورغم ذلك التفاؤل، فإن الضبابية تخيم على بعض النقاط العالقة التي لم تفصح عنها الورقة المصرية، لاسيما فيما يتعلق ببناء المؤسسة الأمنية الحيادية القوية، ما يترك تساؤلات عديدة عن مدى نجاح القاهرة في تعبيد طريق أمني وسط المنحيات الوعرة للخريطة الأمنية.

أزمة أمنية

وبحسب الرؤية المصرية فان الغموض لازال سيد الموقف فيما يتعلق ببناء المؤسسة الأمنية، حيث أشارت القاهرة إلى إعادة بنائها في قطاع غزة، ولم تتطرق إلى أجهزة الرئيس محمود عباس المنتهية ولايته التي تتدرب بخبرات أمريكية في الضفة الغربية.

ونصت الورقة على تشكيل لجنة أمنية عليا يوافق عليها عباس، تعمل على تنفيذ الاتفاق الأمني الموقع في القاهرة، وتمارس عملها بدعم ومشاركة مصرية وعربية.

وتعتبر مسألة دمج أجهزة أمنية محددة تابعة للسلطة الفلسطينية ضمن الأجهزة التابعة  لحكومة هنية من إحدى المسائل المعقدة، ومن المتوقع نشوب أزمة أمنية في حال استثناء بناء المؤسسة الأمنية في الضفة الغربية- كما قال هاني البسوس المختص بالشئون الأمنية.

وتعود مشكلة الأجهزة الأمنية إلى أن السلطة الفلسطينية منذ نشأتها عملت على تعددية هذه الأجهزة والتي بلغت 13 جهازا أمنيا تستحوذ على 62% من الميزانية السنوية للسلطة.

وذكر البسوس ثلاثة معايير لبناء المؤسسة الأمنية بعيدا عن التحيز والفصائلية أولاها أن تكون في خدمة المجتمع الفلسطيني ، وأن تمثل خط الدفاع الأول للشعب الفلسطيني، وأن تطبق الأمن والنظام العام والقانون بعيدا عن المسميات الحزبية المختلفة.

وفي ظل المعطيات الراهنة التي تطفو على الساحة الفلسطينية، فإن اللواء المتقاعد د. خضر عباس يجد صعوبة بالغة في إمكانية بناء مؤسسة مهنية حيادية ، وقال عباس لـ "الرسالة" : " القضية مرتبطة بالترسيخ الحزبي داخل المجتمع الفلسطيني، والأصل بناء أجهزة تخدم مصلحة الدولة (...)، مشيرا إلى أن العلاقات الفلسطينية  تشهد تعقيدات متشابكة، مستبعدا نجاح جهاز أمني مستقل طالما لم ننل حريتنا. 

ويمنع القانون العسكري السائد في غالبية الدول المجاورة ممارسة رجل الأمن للعمل السياسي إلا بعد تقاعده- كما قال مسئول أمني رفض الإفصاح عن هويته لـ "الرسالة" :" يجب فصل السياسة عن الأمن، وإقصاء من يشار إليه بأصابع الاتهام من المناصب القيادية ، حتى لا ترتهن المؤسسة الأمنية لمجموعة أشخاص كالسابق.

مهمة صعبة

ولعل ما يثير فضول البعض طبيعة عمل الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية التي يديرها الجنرال الأمريكي " دايتون"، فمنذ توقيع اتفاقية أوسلو  في سبتمبر/ 1993م منحت السلطة الفلسطينية ولاءها لحماية الأمن الإسرائيلي من خلال ما يعرف بـ " التنسيق الأمني".

وبحسب الورقة المصرية سيتم تشكيل لجنة من ضباط مهنيين بالتوافق، وتتولى هذه اللجنة مهمة إعادة بناء الأجهزة الأمنية بمساعدة مصر وإشرافها على أن يكون هناك ضمان وظيفي لكل الموظفين العموميين وفور التوقيع على الاتفاق يتم البدء باستيعاب 3000 عنصر من الشرطة و الدفاع المدني والأمن الوطني في قطاع غزة ويتزايد هذا العدد تدريجيا وصولا لإجراء الانتخابات على أن يضمن المصريون و العرب مستلزمات إعادة بناء الأجهزة الأمنية.

ومن الواضح أن بقاء أجهزة الضفة على حالها سيشكل معول هدم في طريق المصلحة الفلسطينية، يلقي بظلاله على كافة المناحي الحياتية"، لذلك على الوسيط المصري أن يكون محايدا لئلا تلتحف الأجهزة الأمنية بعباءة التنسيق الأمني- كما يشير البسوس.

ويبدو اللواء المتقاعد عباس أكثر تشاؤما من سابقه في حال إجراء تعديلات على أجهزة الأمن في الضفة، بسبب الوضع الأمني المرتبط بالاحتلال الإسرائيلي حتى لو أدخلت مصر خبراء أمنيين للإشراف على سير عملها، معتبرا أن اعتماد الفلسطينيين على أنفسهم كفيل بنجاح المؤسسة الأمنية ما لم يوضع حجر عثرة في طريقهم.

وللوصول إلى مؤسسة مهنية يجب أن يكون العمل متواز في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإلا سنكون أمام قيادتين مختلفتين في الهيكلية والتنظيم- كما قال المسئول الأمني.

ويؤكد المسئول الأمني على ضرورة أن يكون هناك فصل في عمل الأجهزة، ووضوح في إستراتيجيتها وواجباتها، وعدم تحويلها لقوات " لحد اللبنانية" كما حصل في الضفة الغربية.

ومن الواضح أن مهمة المشرفين المصريين والعرب ستكون شبه مستحيلة في الضفة الغربية طالما أن الاحتلال الإسرائيلي يتدخل في الحياة الفلسطينية، ما يضع عقبات في طريقها من الصعب تجاوزها. 

مرجعية موحدة

وتجذرت مشكلة الأجهزة الامنية بعد يوم واحد من إعلان نتائج الانتخابات التشريعية في يناير/ 2006م، بعد أن نقل عباس المنتهية ولايته ثلاثة أجهزة أمنية (الأمن الوقائي، والشرطة، والدفاع المدني) من الحكومة إلى الرئاسة، مع العلم أن الأجهزة المذكورة كانت أصلا من صلاحيات وزارة الداخلية.

ومع ذلك فإن عدد عناصر أجهزة الأمن لا يمثل نقطة الخلاف في بناء المؤسسة الأمنية- كما يقول اللواء عباس :"الملف الأمني قائم على جمع المعلومات على أسس علمية لها علاقة بالترتيب الأمني(...)، فقد لا يكون العدد مؤهلا وقادرا على التحليل والتصرف بالمعلومة الأمنية، مؤكدا على ضرورة البحث عن آلية للوصول إلى ترتيبات قوية .

ورأى أن الأراضي الفلسطينية بحاجة إلى جهازين: شرطة وجهاز أمني لا غير، مشيرا إلى أن التعدد في الأجهزة الأمنية سيؤدي إلى الهلاك والانقسام والفلتان الأمني.

من ناحيته، أضاف البسوس جهازا أمنيا ثالثا  لاحتياجات الأراضي الفلسطينية كي تؤدي الصلاحيات المطلوبة للحفاظ على الأمن وهي جهاز الشرطة لتطبيق النظام والقانون العام، وجهاز الأمن الوطني لحماية الأراضي الفلسطينية من الاعتداءات الخارجية، وجهاز المخابرات العامة المختص بجمع المعلومات لبناء المعادلات الأمنية، والرد على التهديدات الخارجية.

ورأى ضرورة أن يكون عدد أفراد الأمن من 5000-10000 لسد الحاجة الأساسية في الضفة والقطاع حسب المسميات في نصابها الطبيعي، مشيرا إلى أن العدد الذي تضمنته الورقة المصرية يكفي لوقت مبدئي فقط.

بدوره, اتفق المسئول الأمني مع سابقه في أن اقتراح القاهرة بتشكيل قوة أمنية في غزة قوامها ثلاثة آلف شرطي من المستنكفين ستواجه معضلة شديدة، لاسيما بعد ما شهده القطاع من دمار للمقار الأمنية، ما يجعل مهمتها صعبة للغاية.

وقال المسئول الأمني" يجب أن تكون المصلحة مبنية على أسس وطنية وليس لفترة معينة لإنقاذ المشروع الوطني ، مشيرا إلى ضرورة أن تتفق الفصائل الفلسطينية على هذا المشروع قبل خروجه للنور.

ونصح  اللواء عباس بعدم تعدد الأجهزة الأمنية حتى لا نزيد الوطن تقوقعا، مؤكدا على ضرورة وجود مرجعية واحدة تعمل برقابة كاملة من المجلس التشريعي.

ورأى أن طبيعة الوضع الأمني في الضفة لا يسمح بأداء الدور المنوط بالأجهزة الأمنية بخلاف الوضع السائد في قطاع غزة.

أمران بعيدان

وترفض حركة حماس البتة إعادة صياغة الأجهزة الأمنية على نهج دايتون الذي جرد المقاومة الفلسطينية من سلاحها بمؤازرة أمن عباس.

وقال النائب إسماعيل الأشقر مقرر لجة الداخلية والأمن في المجلس التشريعي: " بناء الأجهزة الأمنية في ظل التنسيق الأمني أمران لا يستقيمان، فالمطلوب أن تحمي الأجهزة المصالح الفلسطينية، وتدافع عن المواطن الفلسطيني، بدلا من تتبادل الأدوار مع الاحتلال الإسرائيلي، مشيرا إلى ضرورة تقديم المصلحة الوطنية عن المصالح الأخرى."

وأشار الأشقر في حديثه لـ "الرسالة"  إلى أنه تم الاتفاق على بعض الأسس والمعايير وصلاحية الأجهزة الأمنية وتعدادها خلال جولات الحوار ، لافتا إلى وجود بعض الإشكاليات لم يسمها  تعترض إعادة بنائها وهيكلتها في الضفة وغزة. 

وكان عضو اللجنة المركزية لحركة فتح اللواء جبريل الرجوب قال في لقاء متلفز على فضائية "فلسطين" التابعة للسلطة مطلع الشهر الجاري : "يجب الاتفاق على عقيدة وطنية للأجهزة الأمنية وفصل الأمن عن الفصائلية وأجنداتها ، مؤكدا على ضرورة وجود صيغة عربية تنظم عمل الأجهزة للوصول إلى مؤسسة وطنية بآليات تنفيذ مهام وإخضاعها للرقابة".

ويرى قدورة فارس القيادي في حركة فتح أن وثيقة الأسرى التي توصل إليها قادة الأسرى الفلسطينيين في مايو/ 2006م يمكنها أن تبني مؤسسة أمنية قوية بكل فروعها إذا طبق البند الأمني بحذافيره.

وأيد فارس حديث المسئول الأمني في فصل رجل الأمن عن السياسة قائلا : " بناء الأجهزة الأمنية عملية تراكمية، ويجب ألا تكون ميلشيات يحكمها تنظيمات فلسطينية، مضيفا ان الأمر يحتاج إلى نوايا صادقة من الجميع، وإرادة حقيقية لبناء جهاز أمني بعيدا عن الحزبية.

حسم الأمور

ومن المقرر أن تشرف حركة حماس على قوة مشتركة للشرطة الفلسطينية قوامها ثلاثة آلاف عسكري في غزة في الفترة التي تسبق الانتخابات التشريعية والرئاسية التي حددتها القاهرة في حزيران 2010م .

وأوضح  الأشقر أن مصر تعهدت بتقديم الدعم اللوجيستي لـ 3000 منتسب من الأجهزة الأِمنية في الأجهزة الحالية وهي الشرطة والدفاع المدني والأمن الوطني فور التوقيع على المصالحة، على أن يكون هناك دعم عربي ومصري للضمان الوظيفي لكل المنتسبين في الأجهزة الأمنية ( استيعاب المحالين على المعاش، ونقل الأجهزة الأمنية ،...).

وقال الأشقر : "اقترح المصريون تقديم كافة الخدمات من حيث التدريب والمساعدة ، وبناء الهيكلية الجديدة، مستطردا في ظل وجود دايتون في الضفة الغربية على رأس الأجهزة الأمنية سيكون صعبا تحقيق ذلك".

وأضاف: على حركة فتح أن تحسم أمرها من تلك الأجهزة المؤتمرة لدايتون، وأن يتم تشكيل المؤسسة الأمنية وفق اتفاقية القاهرة، مطالبا بإعادة بناء وهيكلية أجهزة الضفة لتصبح عقيدتها وطنية كما هو الحال في غزة.

من جانبه أكد فارس على ضرورة أن تنفذ الأجهزة الأمنية القانون الفلسطيني حسب ما أقره المجلس التشريعي، مشيرا إلى أن هناك جملة من الالتزامات على منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة يفترض مناقشتها على قاعدة الشراكة من أجل صياغة إستراتيجية فلسطينية وطنية لكل قوى الشعب الفلسطيني، وعلينا التريث حتى تجني نتائجها المرجوة، وتوظف قدرتها لخدمة الإستراتيجية الوطنية.

وتبقى الأمور على حالها بانتظار التوقيع على المصالحة الفلسطينية ورؤية الجهود المصرية لرسم خارطة أمنية جديدة بعيدة عن السياسة الحزبية وتدخلات خارطة الطريق الإسرائيلية- الأمريكية.

 

البث المباشر