بعد مرور أكثر من 100 يوم بقليل على إدارة بايدن، تتفق وجهات النظر لدى صناع القرار الأميركي إزاء كيفية التعامل مع هذه الحقبة الجديدة من العلاقات الصينية الأميركية.
فقد ظهرت الصين كإحدى القضايا القليلة التي يتفق فيها حتى الديمقراطيون على أن الرئيس السابق ترامب لديه بعض النقاط الصائبة.
ويقول جوردان شنايدر، محلل شؤون الصين في مجموعة رهوديم (Rhodium Group) ومضيف برنامج "تشاينا توك بودكاست" (ChinaTalk podcast) والنشرة الإخبارية، إن "ترامب كان حقًا الشرارة التي أعادت تأطير النقاش بأكمله بشأن العلاقات الأميركية الصينية في العاصمة واشنطن".
لماذا تخشى أميركا التفوق الصيني في مجال التكنولوجيا؟
وتطور التنافس بين الولايات المتحدة والصين، ليتركز أكثر فأكثر على المنافسة على استخدام التكنولوجيا. وتقول ليندسي جورمان، الموظفة في "إميرغينغ تكنولوجيز" (Emerging Technologies)، إنه "ليس من المستغرب جدًا أن التكنولوجيا التي تتعلق بكيفية تخزين المعلومات ومعالجتها والاستفادة منها أصبحت محورًا للعلاقة بين الولايات المتحدة والصين والمنافسة الديمقراطية الأوتوقراطية في العالم".
ويقول تايسون باركر، من المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، إن التكنولوجيا تمس كل شيء الآن، و"إن نماذج التكنولوجيا والأعمال المتعلقة بالتكنولوجيا هي في الحقيقة أيديولوجية مضمنة"، ويضيف "إذن تعريف التكنولوجيا وكيف يتم استخدامها هو شكل من أشكال الحوكمة".
ويرى باركر أنه عندما تتوسع الشركات الصينية في جميع أنحاء العالم، فإنها تجلب معها معاييرها. لذلك عندما تبني "هواوي" (Huawei) شبكة الجيل الخامس (5G) في أميركا اللاتينية، أو يتم اعتماد "علي باي" (Alipay) للمدفوعات الرقمية في أوروبا الوسطى، أو تأخذ "شاومي" (Xiaomi) حصة أكبر في السوق في جنوب شرق آسيا، فإنهم يساعدون على رقمنة تلك الاقتصادات وفقًا للشروط الصينية وباستخدام المعايير الصينية (التي هي عكس المعايير الأميركية)، فالمعنى الضمني واضح: من يحدد مستقبل التكنولوجيا سيحدد بقية القرن الـ21.
كيف ستتعامل إدارة بايدن؟
هناك إجماع قوي من الحزبين في الولايات المتحدة على أن التكنولوجيا هي جوهر المنافسة بين الولايات المتحدة والصين لكن هناك اختلافا بشأن الوصفة الناجحة لمعالجة هذا الأمر.
فبينما يتفق الخبراء الديمقراطيون الصاعدون الآن في واشنطن مع تشخيص ترامب لتحدّي الصين، فإنهم يؤمنون بنهج مختلف تمامًا عن أسلافهم في إدارة ترامب.
فقد طبقت الإدارة السابقة القيود على الشركات الصينية لمجرد كونها صينية. ويقول والتر كير، الدبلوماسي الأميركي السابق الذي نشر مقالا في صحيفة "تشاينا جورنال ريفيو"، "كانت هذه إحدى المشكلات مع ترامب، لقد ألقى ترامب بضربات واسعة واستهدف الشركات سواء أكان ذلك يستحق أم لا. الهجوم المباشر على الصين ليس سياسة جيدة".
أما نهج الديمقرطيين فمختلف، فتركيزهم ينصب بدلًا من ذلك، على الاستثمار الداخلي والتعاون الخارجي.
ويقوم الديمقراطيون أولًا بدعم أميركا محليًا، وهذا يؤكده قول الرئيس بايدن في أول خطاب له بشأن السياسة الخارجية "لم يعد هناك خط واضح بين السياسة الخارجية والداخلية"، وأضاف "مع كل إجراء نتخذه في سلوكنا في الخارج يجب أن نأخذ في الاعتبار العائلات العاملة الأميركية. يتطلب دفع السياسة الخارجية للطبقة الوسطى تركيزًا عاجلًا على تجديد اقتصادنا المحلي".
وتعدّ "إعادة بناء" أو "الحفاظ على" "القيادة التكنولوجية" لأميركا موضوعًا رئيسًا لبرنامج "لونغر تليغرام" (Longer Telegram) وهو تقرير لمجموعة إستراتيجيات لمواجهة الصين، جمعه إريك شميت الرئيس التنفيذي السابق لشركة "ألفابت" (Alphabet ) الشركة الأم لشركة "غوغل" (Google)، وأول رئيس للمجلس الاستشاري للابتكار بوزارة الدفاع.
وحسب التقارير التي اطلعت على خطة مواجهة الصين تتطلع أميركا إلى حث الأبحاث التقنية في القطاعات الحيوية. وتحقيقا لهذه الغاية، فإن مجلس الأمن القومي، يعيد تشكيل نفسه إزاء قضايا التكنولوجيا.
فقد عين الرئيس بايدن "جيك سوليفان" مستشارا للأمن القومي مع التركيز على قضايا التكنولوجيا فضلا عن تعيين مدير رفيع المستوى للتكنولوجيا، بغية تسخير الطاقة نفسها التي دفعت أميركا إلى تطوير وادي السيليكون في أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، لتكون في مواجهة الصين المنافسة الجديدة.
التعليم والبحث والموهبة ..الوصفة الأميركية
وتمثّل مكونات الابتكار الأميركي المعروفة -وهي الاستثمار في التعليم والبحث والموهبة- الأساس الذي تعتمد عليه الولايات المتحدة للتفوق على الصين.
وتمتلك الولايات المتحدة أفضل الجامعات ومراكز الأبحاث على مستوى العالم، ويرى المتابعون للشأن الأميركي أن الاستثمار للحفاظ على التفوق الأميركي في مجال البحث والتعليم هو موضوع رئيس لخطة بايدن للبنية التحتية البالغة تريليوني دولار، التي تتضمن أموالًا للبحوث الأساسية، ودعما لسلسلة التوريد والاتصالات واسعة النطاق، ودعما لصناعة أشباه الموصلات.
وكذلك نظام الهجرة الذي تتبعه الولايات المتحدة لجذب أفضل العقول يساعدها في مجال الأبحاث التقنية.
الاعتماد على الحلفاء
ويرى المحللون أن الفوز بالمنافسة التقنية بين الولايات المتحدة والصين في الخارج يعتمد على دعم الحلفاء وهي الطريقة الأبرز والأكثر وضوحًا التي يمكن لبايدن بها تحقيق التفوق على الصين مقارنة بترامب.
وكان أعلن بايدن وبلينكن وغيرهما من كبار مسؤولي الإدارة بصوت عال وبوجه متكرر تفضيلهم العمل مع شركاء ديمقراطيين بشأن التحديات الدولية، لا سيما في منطقة المحيطين الهندي والهادي.
وربما يفسر هذا انتشار الحديث عن التحالفات التي تُطرح لتأمين إنترنت حرّ وديمقراطي للمستقبل. فهناك "دي 10" (D10) وهي شبكة سلسلة إمداد آمنة طرحها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وتضيف أستراليا والهند وكوريا الجنوبية إلى دول مجموعة السبع الحالية (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا واليابان).
ويدعو تقرير شميت إلى استخدام ما أطلق عليه مصطلح "تي-12" (T-12) (وهي مجموعة دي 10 السابقة باستثناء إيطاليا وبإضافة فنلندا والسويد وإسرائيل).
ويتطلع آخرون إلى توسيع المجموعات القائمة ذات الصلة بالتكنولوجيا مثل الأعين الخمسة (Five Eyes) وهو تحالف استخباراتي يضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا.
وفي الوقت نفسه اقترح السيناتور مارك وارنر -وهو ديمقراطي من ولاية فرجينيا- شراكة تكنولوجية تقوم بتشغيلها وزارة الخارجية للتنسيق مع الحلفاء -بما في ذلك صندوق بقيمة 5 مليارات دولار للأبحاث- لغاية واضحة هي مواجهة الصين.
ولا تزال الولايات المتحدة في حالة من انعدام الثقة مع الحلفاء بعد انسحاب ترامب من معاهدات عدة وعدم تفضيله العمل داخل المنتديات المتعددة الأطراف، إذ فهم ذلك ضمنيا أن واشنطن قد تخلّت بوجه أساسي عن مجال وضع المعايير الفنية العالمية.
في المقابل استفادت بكين، وعملت بقوة على نظام الأمم المتحدة إذ يقود المسؤولون الصينيون الآن 4 من وكالات الأمم المتحدة المتخصصة الـ15، ومنها اثنتان أكثر تركيزًا على تنظيم التكنولوجيا هما الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) الذي يساعد على وضع المعايير التقنية العالمية، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) المسؤولة عن حماية حقوق الملكية الفكرية في العالم.
وتدعم الصين أيضًا الجهود الروسية لإعادة كتابة حوكمة الإنترنت. فبالدعم الصيني فازت روسيا بتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2019، لبدء صياغة معاهدة جديدة لمكافحة الجرائم الإلكترونية.
وغرضهم هو استبدال اتفاقية بودابست عام 2001 التي تدعمها الولايات المتحدة بشأن جرائم الإنترنت والتي أنشأتها الديمقراطيات من خلال مجلس أوروبا، بمعاهدة قال أحد النقاد إنها ستتضمن أحكامًا "من المرجح أن توفر غطاء للحكومات الاستبدادية لاضطهاد خصومها السياسيين".
كذلك حاولت روسيا والصين، لكن دون جدوى، استخدام الاتحاد الدولي للاتصالات (الذي تقوده الصين حاليًا) ليحل محل شركة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة (ICANN) وهي هيئة خاصة من الخبراء تحكم أسماء مجالات الإنترنت "الدومانز" (Domains).
هذه الجهود كلها جزء من معايير الصين 2035، وهي خطة واضحة لتحويل المعايير الرقمية إلى المجال الذي تبرع فيه الصين مثل شبكات الجيل الخامس (5G)، وإنترنت الأشياء (IoT). وكان كتب إميلي دي لا بروير وناثان بيكارسيتش في موقع "تيك كرانش" (TechCrunch) العام الماضي أن "بكين أمضت العقدين الماضيين في تأسيس موطئ قدم مؤثر في الهيئات متعددة الأطراف والمناطق الصناعية المستهدفة. والآن، تستخدم موطئ القدم ذلك لوضع قواعدها لتحديد البنية التحتية لعالم المستقبل".
وليس معروفا من سيتفوق في النهاية في هذه الحرب التقنية الضخمة، ولكن من المؤكد أن سائر دول العالم ستقف موقف المتفرج أو المشجع ولن تعرف أبدا أنها مشاركة في هذه الحرب سواء بأموالها أو معلوماتها.
المصدر : مواقع إلكترونية