كانوا عشرين شخصا من عائلة المصري، وعائلات أخرى، تجمعوا للمشاركة في بيع محصول القمح، كانوا يجمعونه في أكياس، ويرتبونه في سيارة التاجر، الذي أصبح شريكهم في موتهم.
حصاد الأرض التي لطالما أكلوا منها وأكلت منهم، يعيشون على خط النار، ولم يعتادوا لعبة الموت التي يتقنها الاحتلال، ولم يحفظوا درس قتل الأطفال الذي تفتتح فيه (إسرائيل) كل جولة تصعيد مع غزة.
هكذا كانت عائلة المصري مجتمعة قبل أذان المغرب بساعة واحدة، في يوم كانت تظنه عاديا من أيام شهر رمضان، يتفقون مع تاجر أتى ليشتري محصول الأرض، وفجأة بدون سابق انذار سقط عليهم صاروخ الاحتلال.
كان أحمد المصري ابن الواحدة والعشرين يقف ليتفق مع التاجر على ثمن محصول العام، وشقيقته الصغرى رهف تقف إلى جانبه، تلعب مع أقرانها، وتخبرهم بألوان ثوب العيد، وتخبرهم كيف خبأت لها الأقدار ثوبا آخر، ستلبسه يوم زفاف أحمد.
وأحمد عريس ينتظر يوم زفافه في ثاني أيام العيد، كان يخطط أن يكون عيده عيدين بعد ثلاثة أيام، فتمزقت الفرحة على باب البيت، واختلطت دماؤه بدماء شقيقته الصغرى فوق المحصول الذي لم يتسن لهم بيعه.
أكياس الحصاد تبعثرت وتبعثر جسد أحمد وشقيقته، وأربعة من أخوته، لازالوا في العناية المركزة في حالة خطرة.
لم تنته حكاية الموت هنا، بل هناك شركاء من رفقاء اللعب، كانوا يتراكضون إلى جانب رهف، أبناء شقيقها الأكبر يوسف، يشاكسون عمهم أحمد، يستمعون لما يدور بينهم ويتبادلون ضحكة أخيرة.
أطفال كثر كانوا يلعبون، ليس في عقلهم حسابات للموت، لبركة الدماء التي سالت فجأة أمام أعين الجيران، والأشلاء التي تبعثرت على طريق اللعب.
خرج يوسف المصري متتبعا مصدر الصوت الذي رج أركان بيته، فتلقفت يداه الموت ككابوس مرعب، ولداه يموتان ويحملهما فيتلطخ وجهه بالدماء، لم يكن يعرف سببا مقنعا لقتل اثنين من أطفاله، فهو مزارع، لم يكن يحمل سلاحا ولم يرم قذيفة، وأطفاله يلعبون أمام الباب، لم يكن يعرف أن اللعب أصبح في عرف المحتل جريمة يقتل لأجلها الأطفال.
أحمد المصري وأخوته عشرة، نصفهم تحول إلى العناية المركزة، وأحمد شهيد على رأس القائمة تأجل عرسه للأبد.
الجيران شاهدوا المنظر، بعدما هرعوا من بيوتهم راكضين نحو مصدر الصوت، يقولون إن الصاروخ الذي أطلق كان صاروخ استطلاع، صوته مختلف، ونوعه مختلف، فمعظمهم تعودوا على أصوات القصف وأنواع الصواريخ، فقد ولدوا على الحدود ما بين بيت حانون والأراضي المحتلة، والموت يسكن بينهم.
أكثر من عشرين عائلة يسكنون تلك الحارة، فياض ومصري وأبو عودة، عائلات كثيرة كانت تحت النار، وفي كل بيت إصابة أو شهيد، وبيوتهم أدمنت القصف والانهيار في كل مواجهة، يريدون سلاما بين أراضيهم الزراعية، ويحصدون ما لا يسمن ولا يغني من جوع، يريدون الحياة، وألا يقتلهم الاحتلال.
آخر إحصائية نقلها الجيران من المنطقة أن الشهداء وصل عددهم الى أحد عشر شهيدا وخمس وعشرين إصابة، متفرقة من عائلات المصري وشبات وفياض وأبو عودة، تسعة منهم أطفال عائلة المصري، الذين رحلوا، وتركوا وراءهم ملابس العيد معلقة خلف الباب.