في مخيم الأمعري بين البيرة ورام الله، وفي المنطقة التي تسمى A وبمعنى آخر المنطقة الواقعة تحت مسؤولية السلطة الفلسطينية حسب اتفاقية أوسلو مع السلطة الفلسطينية، تلك الاتفاقية التي احترمتها السلطة حتى السطر الأخير، وضربت بها (إسرائيل) عرض الحائط من اليوم الأول لتوقيعها.
ولك أن تتخيل مناطق تحت مسؤولية السلطة ممنوع على الاحتلال أن يدخلها في الأصل، لكنه يدخل، وبالأمس دخل إلى مخيم الأمعري، باحثا عن محمد الفهد، صيد ثمين يسعون إلى الإمساك به منذ أشهر.
دخلت وحدة اليمام شبه العسكرية، أو بعبارة أخرى مجموعة من لصوص الليل وممن دربهم الاحتلال ليدخلوا إلى مناطق السلطة ليلا لمطاردة المطلوبين، أو ليطلقوا النار على المواطنين بكل برود الدنيا ثم يغادروا، بعمليات تتم تحت حماية الاحتلال، وتحت أعين السلطة وبحراسة من التنسيق الأمني، نهج السلطة الوطني الذي تتباهى به.
وبالأمس دخلت وحدة اليمام خلسة إلى مخيم الأمعري، هدفها كان محددا، الشاب أحمد فهد الذي أوقفت سيارته التي كان يستقلها عائدا إلى منزله، ورغم أنها سألته عن اسمه، وعرفت أنه ابن شقيقة الهدف، إلا أنهم طلبوا منه الخروج والوقوف على قارعة الطريق، ثم أطلقوا عليه الرصاص بدم بارد وغادروا.
ولأن الاحتلال يتعامل مع قتل الفلسطيني، وكأنه تسليته الوحيدة، اتصل بعدها بلحظات ضابط المخابرات على خاله محمد المستهدف من هذه العملية بكل وقاحة المحتل قائلا: "نعتذر لم يكن هذا هو الهدف لقد كان خاله محمد".
تحتضن أم أحمد رأس ابنها أمام ثلاجة الموتى، ابنها الذي كان عائدا من زيارة داخل المخيم، فعاد جثة برصاصة ليس لها تعريف في قواميس القوانين الدولية، ولا الدول، تعريفها فقط في مناهج عصابات الدم والإجرام.
ثلاث قوات فتشت سيارة الشهيد، وعرفت أن المطلوب خال الشهيد وليس هو، لكنها رغم ذلك صفته لتحرق قلب العائلة.
يقول خاله: "هذه عصابات لا تقبل التفاوض، هذه عصابة موجوعة مما فعلته المقاومة، وقد فاوضوا الأنبياء على بقرة، فكيف لنا أن نفاوضهم، هؤلاء مجبولون على القتل والغدر والخيانة، فلا طريق للتخلص منهم سوى بالمقاومة".
كان من المفترض أن تفرح أم أحمد بزواج ابنها بعد أيام، ولكن القتلة يستهدفون الأبرياء والمدنيين ويعرفون أحمد الفهد، لكنهم قتلوه غلا وحقدا.
تستقبل أم أحمد المهنئين، عن يمينها وشمالها، بينما يطالبهم خاله بالفرح والزغاريد ويهنئ شقيقته التي رددت مخاطبة ابنها الذي خرج إلى مثواه الأخير" الله يرضى عليك يا حبيبي، والله إني سامحتك في الدنيا والآخرة، مع السلامة يا حبيبي".
بينما هتفت شقيقته: "أنا أخت شهيد، وأمي أم شهيد، ونحن أهل الشهيد، ولقد كان فوزنا هذا نارا على أعدائنا وبردا على قلوبنا، ولكن أين هذا العالم لينظر ما بنا، لماذا يتفرج علينا، ونحن نموت تدريجيا بصمت؟!".
صوت بكاء الأطفال حول أمهاتهم، يتردد في بيت عزاء أحمد الفهد، وأمه ترتل الفاتحة فوق رأس ابنها قبل وداعه، وتتمتم وأنفاسها تتلاحق، بينما تكابر حزنها ودموعها التي يسعى الاحتلال الى اسقاطها.
لم يكن أحمد يسعى للكثير في هذه الدنيا، لأنه يعلم تمام العلم أن الحياة ليست لفلسطيني أرضه محتلة، كان أحمد يتمنى أن ينهي تجهيز بيته، وأن يتزوج ويبني عائلة وينجب أطفالا، لم يكن يحلم إلا بحياة بسيطة وأحلام على مقاس الفلسطيني الذي لا يحق له أن يرفع سقف أحلامه أكثر