لا يكاد يظهر قائد حركة حماس في غزة يحيى السنوار للمشاركة في لقاءات رسمية أو شعبية، حتى تتناوله وسائل الإعلام الإسرائيلية والمتابعين لشؤون غزة، ليتحدثوا عن كل حرف وحركة وهيئة يخرج بها الرجل، حتى بات مادة دسمة أمام عدسات المجهر الإسرائيلي.
ومنذ أن وضعت الحرب أوزارها قبل أسبوع، ظهر أبو إبراهيم في أكثر من محفل، يتحدى فيه قادة الاحتلال الإسرائيلي بشكل علني، بعد أن أطلقوا العنان لتهديداتهم باغتياله حتى في ظل اتفاق وقف النار، حتى وضعهم الرجل وتهديداتهم في ورطة لا يكادون يخرجون منها حتى يقعون في غيرها.
وبدأت وسائل إعلام الاحتلال والمتابعين كافة، في تحليل تحدي السنوار وخطابه بعد انتهاء العدوان، بعد أن شارك في بيوت عزاء قادة القسام الذين ارتقوا خلال التصدي للعدوان، ليتجول أمام عدسات الكاميرات ووسائل الإعلام كافة، وفي وضح النهار، دونما أن يجرؤ الاحتلال المساس به.
هذا المشهد الصاخب بالتحدي، وضع قادة الاحتلال في وقع إحراج ليس إعلامي فقط، بل على الناحية السياسية، في ظل الوضع الهش داخليا لدى الاحتلال، في ظل الصعوبات التي تواجه القادة السياسيين هناك في تشكيل حكومة بعد عقد الانتخابات لأربعة مرات متتالية، لأول مرة في تاريخ الكيان.
وما سرب للإعلام أن الوسيط المصري، طلب من السنوار شخصيا، أن يقلل من تحديه للاحتلال وحالة الندية القائمة، لما يسببه من ضغط في الشارع الإسرائيلي على قيادته، لا سيما رئيس الوزراء نتنياهو، ووزير الحرب بني غانتس، الذين خرجوا من الحرب دونما تحقيق صورة النصر.
ومن مشاهد التحدي، حينما أعلن السنوار في خطاب علني، امام الصحفيين، عن نيته المشي في شوارع غزة لمدة ساعة، مع إشارته إلى أن هذه المدة كافية لاتخاذ قرار اغتياله، وتجهيز الطائرات، وقصفه، إلا أن قيادة الاحتلال لم تعقب على المشهد، فيما ترك المجال مفتوحا لتعليقات النخب الإسرائيلية حول المشهد.
وأخيرًا جاء على لسان السنوار عقب انتهاء لقائه بوزير المخابرات المصرية عباس كامل وهو ممثل الرئيس عبد الفتاح السيسي، حينما قال للصحفيين سجلوا على الرقم 1111، ولتنتظر معنى هذا الرقم في وقت لاحق، عدا عن صورته وهو جالس على كنبة فوق مكتبه المدمر، وواضعا قدمًا فوق قدم.
ومما جاء في الإعلام الإسرائيلي، ما قاله رون بن يشاي-يديعوت أحرونوت: "بالأمس ألقى السنـوار برقم في الهواء، وقال "تذكروا الرقم 1111" - الرقم ليس صدفة، السنـوار يريد الإفراج عن أسرى فلسطينيين في صفقة أكثر من الصفقة التي أعيد فيها الجندي جلعاد شاليط (السنـوار نفسه كان من بين 1027 أسيرا تم إطلاق سراحهم في تلك الصفقة) - من خلال المحادثات مع المسؤولين الأمنيين في "إسرائيل"، يمكن فهم أنه لا توجد فرصة لموافقة الحكومة "الإسرائيلية" على مطلب السنـوار الجديد.
فيما قال المستشار السابق لوزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، رونن تسور، إنه "كما يبدو حالياً، فإن إسرائيل مرتدعة أكثر من يحيى السنوار"، ورداً على سؤال "القناة 12" الإسرائيلية، عما إذا كان تحدي السنوار لغانتس سيؤثر في الأخير، أجاب تسور بأن هذا التحدي "له جوانب سياسية داخلية أيضاً بالنسبة إلى بني غانتس"، موضحاً أنه "إذا انجررنا بعد انتهاء تكليف يائير لابيد تشكيلَ الحكومة إلى انتخابات، فإن صور تحدي السنوار لإسرائيل، ومشيه في شوارع غزة، ستبرز لدى من يريد مناكفة نتنياهو، وايضاً بني غانتس".
ورداً على سؤال مفاده أنه "حين يشاهدون في المؤسسة الأمنية فرصةً كهذه، فهل هناك تردُّد في موضوع اغتياله فوراً؟"، أجاب روني دانييل، المحلل العسكري في "القناة 12"، "أعتقد أنه نعم، ولولا ذلك لكان تم اغتياله".
من جهته، أكد نير دفوري، المراسل العسكري في "القناة 12"، أن السنوار سار في شوارع غزة عدة دقائق، معتبراً أن هذا "تحدٍّ كبير" لأن هذه هي الصورة الوحيدة التي يستطيع أن يرسمها السنوار لإسرائيل وللعالم ولجمهوره في غزة"، لافتاً إلى أن "هناك أشخاصاً كُثراً في إسرائيل شعروا بالمرارة، ويعتقدون أن الردع تآكل في هذا الأمر ".
وفي التعقيب على ذلك، يقول الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، إن الاحتلال مهتم جدا بشخصية السنوار، ولذلك يراقب كل حركة وسكنة ينفذها الرجل، في كل ظهور له، ويحسبون حسابًا لكل شيء يفعله.
وأضاف الصواف في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن ما يمثله السنوار من مكانة كونه راس الهرم في غزة، أعطى مساحة أوسع للتركيز من قبل الاحتلال، في ظل الاعتقاد الإسرائيلي السائد بأن السنوار يمثل كل شيء في غزة، سياسيا وعسكريًا وإعلاميا، وكل النشاط القائم على الأرض.
وأشار إلى أن الاحتلال يعرف السنوار جيدا، وعلى يقين بأنه رجل أفعال وليس أقوال، حيث أن كل ما يقوله ويهدد به ينفذه، ولذلك عندما يتكلم السنوار لا بد لقادة الاحتلال وإعلامه أن يراقبوا حديثه، وهذا ما وضعه تحت بؤرة تسليط الضوء الإسرائيلي على الدوام.
السنوار تحت المجهر الإسرائيلي في كل خطوة وسكون
الرسالة نت- محمود فودة