هدى الخزندار، أم، وكلمة أم تكفي لتصور حجم الفاجعة، فحين يسقط صاروخ الاحتلال على البيوت الأمنة الدافئة، ويستهدف المدنيين، تكون هناك أم في غرفة ما، تهدهد أطفالها، وتحاول أن تشغلهم عن الأصوات المرعبة، تكذب عليهم في مرة، وتطلب منهم أن يغلقوا أذنيهم مرة أخرى، وتعدهم أن الموت لن يصل إليهم أبدا.
لكنه وصل، ودب انفجار كبير في قلب السماء، وتوقف قلب الأم ذات الثانية والثلاثين عاما، التي تحاول أن تهدئ من خوف الصغار، قلبها لم يحتمل، وجسدها كذلك.
الشهيدة، هي الأم هدى الخزندار التي استهدفها الاحتلال في الخامسة فجرا من اليوم السابع للعدوان، تقول أمها:" بنتي الوحيدة، لم يخطر ببالي أن تموت، كنت أعد أحفادي فإذا بهم كلهم ناجون، ثم سألت عن أمهم، فقالوا لي استشهدت، لم يخطر ببالي أنها هي بالذات لن تنجو "
كان الزوج يعمل في الغرفة المجاورة، وإذا به يسمع الضربة المفاجأة، فتطاير الزجاج في أرجاء المنزل، وركض نحو زوجته وأطفاله، يصرخ، يدفع الباب الذي لا يريد أن يفتح، فإذا بضربة ثانية تفتح الباب، وتطير الشظايا وتصيبه.
بينما دماء جراحه تنزف في المكان الذي غطته الأتربة وعكر الغبار الرؤية أمامه، بدأ الأب يصرخ، على أسماء أبناءه، ويطلب منهم أن يرفعوا أصواتهم بالصراخ حتى يستدل على مكانهم وهم تحت الركام.
ملك الصغيرة، كانت في حضن أمها، وقعت على الأرض بجانب السرير، وبقيت هدى تحت الأنقاض، ينادي عليها وهي لا ترد، حمل أبناءه الخمسة، وعاد إليها، لا زالت لا ترد، ولا تطمئنه كما العادة، جسدها ساكن بلا حراك، وهناك فتحة من الدماء في ظهرها، نبضها وأنفاسها ينخفضان تدريجيا.
جاءت سيارة الإسعاف، وحملت هدى برفقة زوجها، ركضوا مسرعين إلى المستشفى، لكن الموت كان أسرع، فطائرات الاحتلال، تعرف حينما تضرب صواريخها أنها يجب أن تصيبنا في مقتل، تستهدف الأطفال تارة، وفي تارة أخرى تستهدف أمهاتهم.
في ذلك اليوم تحديدا الذي استشهدت به هدى كانت وزارة الصحة في غزة أعلنت أن حصيلة الاعتداءات قد بلغت 218 شهيدا بينهم 63 طفلًا و37 سيدة و16 مسنًا إضافة إلى نحو 1508 إصابات منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي وصل الى 280 شهيدا مع نهاية العدوان.
في بيت عائلة الخزندار ركام جدران، وبقايا سرير دافئ، كانت تنام عليه أم تضم قلوب أبناءها الصغيرة الخائفة إلى جوارها، وتحكي لهم قصة ما قبل النوم، التي ختمت بمقتل الأميرة ونجاة أبناءها الأربعة.