غيرت المواجهة الأخيرة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي شكل الصراع والمعادلة ليس فقط على صعيد الواقع في الأراضي الفلسطينية، وانما وصلت ارتداداتها المنطقة بأكملها، فقد أجمع مراقبين على أن ممارسات الاحتلال والمجازر التي ارتكبتها خلال العدوان الأخير أوقعت جل الأنظمة العربية في حرج بالغ.
ومع أن الحرج الواقع على العواصم العربية شاملا، مع استمرار القصف الإسرائيلي لغزة، وردود المقاومة الفلسطينية على هذا القصف، فإن الحرج يبدو أكثر قوة، على الأنظمة العربية التي لحقت بقطار التطبيع مع (إسرائيل) حديثا.
وكان تطبيع الإمارات العام الماضي قد مهّد الطريق أمام ثلاث دول أخرى "البحرين والسودان والمغرب" لإعلان اتفاقيات مماثلة سريعاً مع (إسرائيل) مع وجود خطوات سعودية على الطريق. وفور تطبيع الإمارات علاقاتها مع (إسرائيل) انطلقت عاصفةٌ من الدعاية الحكومية من أجل صياغة التطبيع على أنّه تمهيدٌ لعصرٍ جديد من "السلام والتسامح الديني" والأمن في المنطقة.
لكن جولة القتال الأخيرة وقبلها أحداث المسجد الأقصى وحي "الشيخ جراح" بالقدس، شكلت اختبارا عمليا "لاتفاقيات أبراهام"، فقد أجمع محللون وباحثون إسرائيليون على أن عملية "حارس الأسوار" ستجعل من الصعب على (إسرائيل) أن تواصل قطار التطبيع والتوقيع على اتفاقيات جديدة مع دول في العالمين العربي والإسلامي، وهو موقف بدأ يفرض نفسه في المنطقة بأنه من الصعب تجاوز القضية الفلسطينية كما اعتقد البعض.
وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قال إن بلاده لن تطبّع علاقاتها مع إسرائيل قبل حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وأضاف في حديث مع قناة (CNBC) الأمريكية، أن السبب الرئيسي لعدم وجود علاقات بين قطر وإسرائيل هو احتلال أراضي فلسطينية، وليس هناك خطوة أو أي أمل نحو السلام حتى الآن، لم نر أي ضوء في نهاية النفق.
ويمكن اعتبار ان المواجهة الأخيرة قيدت بشكل كبير فرص تطبيع المزيد من الدول العربية والإسلامية مع الاحتلال وذلك من خلال:
أولاً: فشل محاولات تدجين الرأي العام العربي وخاصة الخليجي، وأصبح أمراً عادياً الآن أن يعبر مواطنو الخليج علانية عن رأيهم في التطبيع في تحد مباشر للروايات الرسمية التي صدرت عندما بدأ موسم التطبيع صيف العام الماضي على لسان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ثانياً: لم تؤدِ اتفاقيات التطبيع إلى تحقيق ما أعلنت عنه الدول الأربع، الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، بأن مثل هذه الاتفاقيات ستكون ضمانة لوقف الاستيطان وتعليق الضم الرسمي للأراضي الفلسطينية، إذ أن ما يجري في "الشيخ جراح" هو مخطط استيطاني إسرائيلي لمصادرة أراضي الفلسطينيين وبناء مستوطنة جديدة تضم 200 وحدة سكنية للمستوطنين الإسرائيليين، وبالتالي كشفت زيف تلك الادعاءات.
ثالثاً: تأكيد قوة ومكانة القضية الفلسطينية التي فرضت نفسها على الاجندة الدولية والإقليمية، وقد كتب الباحث في معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب يوئيل غوجزنسكي، تقدير موقف بعنوان "الاختبار الأول لاتفاقيات أبراهام.. عملية حارس الأسوار وصداقة إسرائيل الجديدة"، أكد من خلالها أن الدول الأربع اضطرت إلى انتقاد إسرائيل بشدة بسبب الأحداث في القدس، ووجهت اللوم لها بشكل يعبّر عن حساسية ما يجري في المدينة المحتلة لما وصفوه بـ"انتهاك حقوق الفلسطينيين وحرمة الأقصى.
رابعاً: والأهم هنا أن المواجهة الأخيرة عطلت قطار التطبيع الذي كان منطلق بقوة، وبات أمام أي دولة تفكر في التطبيع الكثير من المخاوف والحسابات والحرج ما يعني أن الدول التي كانت في طريقها نحو التطبيع ستضطر للتردد كثيراً.