أشار تقرير إسرائيلي إلى أن تكاليف العدوان على غزة تنطوي على ثلاثة أنواع من الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها إسرائيل: التكاليف العسكرية المباشرة، والضرر اللاحق بنشاط المرافق الاقتصادية، والأضرار التي لحقت بالأملاك إثر إطلاق قذائف صاروخية من قطاع غزة. لكن ما زال مبكرا تحديد حجم الخسائر لأنه يصعب تقدير قسم منها، كما أن تقدير جيش الاحتلال لحجم الخسائر يختلف عن تقدير وزارة المالية.
وذكر التقرير الصادر أمس، الأربعاء، عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، ومن إعداد رئيس المعهد والخبير الاقتصادي، مانويل تراختنبرغ، والباحث في المعهد، تومير فيدلون، أن العدوان على غزة ("حارس الأسوار" بحسب تسمية الاحتلال الإسرائيلي) جاء في الوقت الذي كان فيه الاقتصاد الإسرائيلي في ذروة الانتعاش من أزمة كورونا، التي تسببت بانكماش الناتج المحلي وارتفاع كبير في العجز المالي وقفزة في الدَين القومي.
ورغم ذلك، فإن "التجربة التي تراكمت أثناء أزمة كورونا ساهمت في استمرار النشاط الاقتصادي خلال فترة إطلاق مكثف (للقذائف الصاروخية) باتجاه الجبهة الداخلية لدولة إسرائيل، من جهة، ومن الجهة الأخرى تسببت العملية العسكرية بتقليص نشاط المرافق الاقتصادية، مثلما حدث خلال الإغلاقات أثناء أزمة كورونا وأبقت أسئلة كثيرة حيال التكاليف الواسعة للعملية العسكرية وكذلك حيال التبعات الاقتصادية بعد انتهاء العملية العسكرية".
وتنقسم الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية للعدوان إلى ثلاثة أقسام: أولا، التكاليف العسكرية، التي يتم التعبير عنها بأثمان الذخيرة التي استخدمها الجيش الإسرائيلي، وتكلفة استخدام الطائرات الحربية والدبابات وغيرها، وتكلفة تجنيد وتفعيل قوات نظامية واستدعاء قوات احتياط. ثانيا، التكاليف الاقتصادية التي تشمل فقدان أيام عمل، إغلاقا أو عملا جزئيا لمصانع ومتاجر وتراجع الاستهلاك. ثالثا، الأضرار بالممتلكات وبخاصة بالمباني والمركبات، ويُمنح المتضررون الحق بتعويضات من الدولة. وتُضاف إليها الأضرار بممتلكات خاصة وعامة الناجمة عن المواجهات في المدن المختلطة.
وكان الخبير الاقتصادي الرئيسي في وزارة المالية الإسرائيلية قدر خسائر العدوان على غزة في العام 2014 بحوالي 8.7 مليار شيكل، بينها 7 مليارات خسائر عسكرية و1.7 مليار خسائر اقتصادية. وبحسب التقرير، فإن احتساب خسائر العدوان الأخير، الشهر الماضي، سيتم إنجازه بعد عدة أشهر.
ورغم أن عدوان 2014 استمر 51 يوما، والعدوان الأخير استمر 11 يوما، إلا أن الجيش الإسرائيلي استخدم كمية نيران متشابهة في كلا العدوانين، ووصلت كثافة القصف الإسرائيلي في العدوان الأخير إلى خمسة أضعاف القصف خلال عدوان 2014.
الفرق الثاني بين العدوانين، هو أنه في العدوان الأخير تم الإعلان عن "وضع خاص" في الجبهة الداخلية الإسرائيلية في منطقة تبعد 80 كيلومترا عن قطاع غزة، مقابل 40 كيلومترا خلال عدوان 2014. ويعني ذلك أن الضرر خلال العدوان الأخير كان أكبر، وبخاصة أن توسيع مدى منطقة "الوضع الخاص" شملت وسط البلاد، التي يتركز فيها القسم الأكبر من النشاط الاقتصادي الإسرائيلي. "ومن الجهة الأخرى، فإن مدة العملية القصيرة تعوض على ذلك بقدر معين".
والفرق الثالث، بحسب التقرير، "والأهم على الأرجح، يتعلق بالمواجهات التي اندلعت في المدن اليهودية – العربية المختلطة في إسرائيل، وبخاصة خلال الأيام الأولى للعملية العسكرية، التي لحقت فيها أضرار بالغة بالممتلكات والأنفس. وسيتضح حجم هذه الأضرار لاحقا، وبضمنها التساؤل حيال استعداد مجتمعات يهودية وعربية بالعودة إلى العمل والمتاجرة مع بعضها، أم أن التخوف والشكوك المتبادلة ستضرّ لفترة طويلة بالنسيج ’الناعم’ للحياة المشتركة".
اختلاف تقديرات وزارة الأمن ووزارة المالية
ولفت التقرير إلى أن "إحدى الصعوبات في تقدير الخسائر العسكرية المباشرة هو اختلاف الآراء التي تظهر في هذا السياق مجددا كل مرة بين وزارة الأمن ووزارة المالية". وبعد عدوان 2014، كانت تقديرات وزارة الأمن أن حجم هذه الخسائر 9 مليارات شيكل، بينما تقديرات وزارة المالية قالت إنها كانت 6.5 مليار شيكل، وفي النهاية تم الاتفاق على أن حجمها 7 مليارات شيكل.
وأضاف التقرير أن تكلفة يوم قتال أثناء عدوان 2014 تراوحت بين 80 – 120 مليون شيكل، وتكلفة صاروخ "تمير" واحد الذي تطلقه "القبة الحديدية" لاعتراض القذائف الصاروخية هو 50 ألف دولار. ويتوقع أن تكون تكلفة يوم قتال في العدوان الأخير مضاعفة. "ورغم ذلك، فإن مدة ’حارس الأسوار’ واستنادها إلى القتال الجوي، يتوقع أن تخفض التكلفة العسكرية المباشرة إلى قرابة 4 – 5 مليار شيكل".
وفي ما يتعلق بالأضرار اللاحقة بالممتلكات، فإن عدد الدعاوى بالتعرض لأضرار مباشرة بلغ 4600 بعد عدوان 2014، وبمبلغ إجمالي بنحو 200 مليون شيكل، أي 44 ألف شيكل بالمعدل لكل دعوى. وبعد انتهاء العدوان الأخير، أعلنت سلطة الضرائب الإسرائيلية أنه تم تقديم 5245 دعوى إلى صندوق التعويضات، وسط تقديرات بأن الأضرار ستكون أشد هذه المرة بسبب القدرة التدميرية للقذائف الصاروخية التي أطلقت من قطاع غزة. وبحسب التقرير، فإن التقديرات الأولية هي أن معدل تكلفة الدعوى الواحدة ستكون 60 ألف شيكل، وإجمالي حجم التعويضات سيصل إلى 315 مليون شيكل.
وحول الضرر اللاحق بالنشاط الاقتصادي، فإن الحسابات الأولية للدائرة الاقتصادية في اتحاد الصناعيين تشير إلى أن حجم هذا الضرر يبلغ حوالي 1.2 مليار شيكل. ومن شأن المواجهات في "المدن المختلطة" أن تزيد هذه التكلفة.
وأشار التقرير إلى أنه خلال العدوان الأخير، كانت مرافق اقتصادية قد تأقلمت لأنماط عمل، في أعقاب أزمة كورونا، وبخاصة العمل من البيت، الأمر الذي لم يتسبب العدوان بأضرار لقطاعات كثيرة، وبينها قطاع الهايتك المسؤول عن 52% من الصادرات الإسرائيلية.
وجرى استدعاء عدد قليل من قوات الاحتياط خلال العدوان الأخير، أقل من عشرة آلاف جندي. وتبلغ التكلفة اليومية للجندي في الاحتياط 500 شيكل.
يضاف إلى ما تقدم، وفقا للتقرير، مسألة تحصين المباني، التي عادت إلى الأجندة الإسرائيلية في أعقاب العدوان الأخير، بعد دخول مناطق أوسع من الماضي إلى مدى القذائف الصاروخية. وتشير التقديرات الأولية إلى أن تكلفة تحصين كامل للمباني في مدينة عسقلان تبلغ 1.4 مليار شيكل.
وفي ما يتعلق بتضرر صورة إسرائيل في العالم، إثر انتشار صور مشاهد الدمار الرهيب الذي ألحقه العدوان بقطاع غزة، التي بثتها وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية، أشار التقرير إلى أنه "لا توجد في هذه المرحلة إمكانية لتقدير الضرر الاقتصادي نتيجة تسويد صورة إسرائيل، سواء من الناحية السياحية أو من ناحية الاستثمارات والأسواق، لكن يتوقع أن تكون لذلك أثمان".
المصدر: عرب 48