يمكن لأصحاب الطلقة الأولى أن يستعيدوا الأمل، رويدا رويدا، فلا ساكت يظل ساكتا إلى ما لا نهاية، وما حدث في جنين بالأمس هو انفجار البداية، على اتفاقية أوسلو وملحقاتها، وعلى سياسة التنسيق الأمني، وعلى منهجية القتل من طرف واحد دون أي مقاومة ولا رفض.
وفي خطوة قلما تحدث أن يقوم أفراد من جهاز الأمن الفلسطيني باشتباك مسلح مع عناصر جيش الاحتلال، نصرة لفلسطيني آخر كان الاحتلال يستهدفه في هذه العملية بعد سنوات من تعزيز التنسيق الأمني.
لكنها فطرة الكرامة التي تتحرك في داخل الفلسطيني دون اذن، والتي لم يفطن لها الاحتلال، الذي بدأ لفجوره يراهن على قلوب المناضلين، ويتبجح في عدوانه، ويتجرأ على الدخول كاللصوص يقتل وينسحب دون مقاومة من أحد.
ولكن هذه المرة قفز له أبناء السلطة في جوف الليل، وقاوموا مشتبكين معهم، ورغم ذلك تمم الاحتلال مهمته وغادر المدينة ولاحقا أعلنت وزارة الصحة عن استشهاد اثنين من الشهداء من جهاز الاستخبارات العسكرية الفلسطينية؛ وهما الملازم أدهم ياسر توفيق عليوي (23 عاما) من مدينة نابلس والنقيب تيسير محمود عثمان عيسة (33 عاما) من بلدة ميثون قضاء جنين، أما الشهيد الثالث فهو الأسير المحرر جميل محمود العموري من سرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي.
أجل كان هدف الاحتلال واضحا اغتيال الأسير المحرر جميل العموري الذي يدعي الاحتلال أنه ورفيقه وسام أبو زيد قد نفذا عمليات إطلاق نار ضد أهداف (إسرائيلية) مؤخرا وبأن العملية كانت تستهدفهما.
موظفو جهاز الاستخبارات الفلسطيني، لم يميزوا في تلك اللحظة إلا الدم الفلسطيني الذي يكاد يهدر، فاندلع اشتباك بينهم وبين القوات الإسرائيلية ارتقى فيه شهيدين من جهاز الاستخبارات الفلسطينية، دفاعا عن حق شهيد ثالث في الحياة.
ولم ينته القتل هنا، بل أصرت وحدة الاستخبارات الإسرائيلية على اختطاف جثة الشهيد العموري كما تفعل عادة، بالإضافة إلى اعتقال رفيقه وسام أبو زيد، وهو جريح جراء الاشتباك الذي حدث فجرا.
وبحسب محللين فإن هذا التطور يعتبر تطورا خطراً، خصوصاً أن المنطقة تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية، ما يشكل خرقاً للاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، وهو ليس الاختراق الأول من نوعه، ولكنه الرد الأول من نوعه.
المحلل السياسي تيسير محيسن يرى أن دخول القوات الإسرائيلية هذه المرة وبهذا الشكل إلى مدينة جنين لم يكن متفق عليه مسبقا مع السلطة الفلسطينية، لأنه لو كان هناك تنسيق مسبق لما سمحت السلطة الفلسطينية لضباط المخابرات الفلسطينية بالبقاء في المكان وبأن يشهدوا هذا الاغتيال الوقح خوفا من حدوث مثل هذه المواجهات.
ويلفت محيسن أن ما حدث من اشتباك بين ضباط فلسطينيين ووحدة اليمام يبشر بخير رغم عدم توقعه بأنه يمكن أن يغير شيئا من واقع التنسيق الأمني في القريب العاجل.
وقد نعت حركة الجهاد الإسلامي شهيدها جميل العموري، بينما أكدت "حماس" أن ما جرى في جنين من اشتباك عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية مع قوات إسرائيلية خاصة، هو عمل بطولي شجاع، وهو الممارسة الحقيقية والمطلوبة لدور الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية في حماية شعبنا والدفاعة عنه.
ولأن دماء الفلسطيني رخيصة جدا في نظر الاحتلال، تم الاغتيال في عقر دارنا، وفي حجر السلطة الفلسطينية، ثم أكتفى الاحتلال بأن أبلغها بأن ما جرى فجر اليوم لم يكن ببساطة عملا مقصودا، فهل تعلم السلطة أن دماء أبناءها قد هدرت وبأن من واجبها أن يكون لها موقف واضح من كل هذا ؟!