فتحت حادثة جنين فجر الخميس الماضي من جديد الحديث عن دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مقاومة الاحتلال، وذلك بعدما عملت السلطة الفلسطينية بالتعاون مع الاحتلال والولايات المتحدة على تدجين عناصر الأجهزة الأمنية وزرع عقيدة أمنية جديدة يشكل فيها الاحتلال حليف يجب التعاون معه، بينما المقاوم عدو يجب ملاحقته.
حادثة جنين تصدى خلالها اثنين من عناصر جهاز الاستخبارات العسكرية الفلسطيني، وهما النقيب تيسير محمود عيسة، والملازم أدهم ياسر عليوي، لقوة خاصة إسرائيلية توغلت في جنين، لاعتقال الأسير المحرر جميل محمود العموري من مخيم جنين، قبل أن يرتقوا ثلاثتهم شهداء.
الحادثة ليست الأولى التي يتصدى فيها أبناء الأجهزة الأمنية للاحتلال فقد سبقتهم عدة حوادث مشابهة من ضمنها ما جرى في مدينة نابلس في العام 2019، حينما اشتبكت قوة من الأمن الوقائي الفلسطيني مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث تدخل لتأمين سيارة مستعربين اقتحمت الأحياء السكنية في نابلس، وحاولت قوات الأمن الوقائي توقيف السيارة بعدما أطلق منها النيران صوب الأمن الفلسطيني الذي رد بالمثل.
حادثة جنين لا يمكن نزعها من السياق العام والتوقيت الذي يأتي بعد عملية سيف القدس التي وحدت الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده خلف مشروع المقاومة، ويمكن القول إنها تعكس عدة مؤشرات:
أولاً: الحادثة تؤكد فش كل محاولات تدجين الشعب الفلسطيني وخاصة أبناء الأجهزة الأمنية الذين تدربوا على يد دايتون وزرعت لديهم السلطة عقيدة التنسيق الأمني، وهنا يجب الإشارة إلى أن كل اتفاقات المصالحة بين الفصائل كانت تؤكد على إعادة بناء العقيدة العسكرية للقوات وأجهزة الأمن الفلسطينية، ووقف كافة أشكال التنسيق الأمني مع سلطات وقوات الاحتلال الإسرائيلي.
ثانيا: الحادثة هي رد طبيعي في سياق الحالة الوطنية الفلسطينية التي عكست اصطفاف شعبي واسع خلف مشروع المقاومة ورفض واضح لنهج التسوية ومن يمثله، خاصة فيما يتعلق بالتنسيق الأمني وقد تجلى ذلك في تصدى عناصر الامن لعدوان الاحتلال في موقف يعكس أصالة الشعب الفلسطيني وعمق تمسكه بقضيته العادلة أياً كانت محاولات كي الوعي..
ثالثاً: جنين بما تمثله في وجدان الشعب الفلسطيني كقلعة مقاومة وتاريخ عريق من النضال ستساهم في تثوير الضفة الغربية وباقي المدن التي ترى مشهد بطولي مختلف عما اعتادت عليه من الأجهزة الأمنية، ما يؤسس لحالة جديدة غير تلك التي سيطرت على الضفة خلال السنوات الماضية.
رابعاً: تصدي عناصر الأمن يثير تخوفات الاحتلال الذي صرح مراراً أنه يخشى من سلاح الأجهزة الأمنية الذي قد يقلب في أي لحظة ضده في حال توفرت الظروف ووجد قيادة داعمة لحالة المقاومة والاشتباك أو اندلعت انتفاضة ضد المحتل، حيث أن قرابة 100 ألف عنصر أمن مسلح في الضفة، قد ينقلبوا في أي لحظة مواتية ضد الاحتلال.
خامساً: مشهد البطولة والروح القتالية التي بدت من عناصر الأمني ستحفز غيرهم من أبناء الضفة سواء عناصر الامن او حتى المواطنين للتصدي للاحتلال واعتداءاته المتكررة على المدن والمخيمات.
سادساً: تراجع وضعف دور السلطة بعد معركة سيف القدس وقد حذرت تقارير أمنية لدى الاحتلال أنه هناك حالة تعاطف كبيرة ومتزايدة مع حماس والمقاومة في الضفة الغربية، عقب الأحداث الأخيرة وإذا حدثت موجة اعتداءات في الضفة فربما تفضل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الوقوف في الجانب الآخر وعدم التدخل.