قالت صحيفة "ديلي تلغراف" إن بنيامين نتنياهو الذي تسيد السياسة الإسرائيلية عبر ماركته من الانقسام والشعبوية اليمينية قد خرج من المشهد السياسي.
وأشارت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21" إلى أن الحكومة الجديدة التي نالت الثقة استطاعت الحصول على الغالبية بدعم من حزب عربي- واحد من أحزاب الأقلية العربية التي طالما قام نتنياهو بشيطنتها، بالإضافة لثلاثة تلاميذ سابقين لنتنياهو شعروا بالخيبة من رئيسهم وهم نفتالي بينيت وأفيغدور ليبرمان وجدعون ساعر.
وتخلى الثلاثي الذي أنشأ كل واحد حزبه المتطرف عن خلافاتهم يوم الأحد، وصوتوا كلهم لصالح تجريد نتنياهو من منصب رئيس الوزراء. وهذا يعني أن الرجل الذي أطلق عليه مرة بـ "الملك بيبي" وكان عصيا على الهزيمة سيواجه محاكم طويلة بالفساد بدون أن يكون محميا بالمنصب الكبير.
وكلف نتنياهو بتشكيل حكومة ائتلاف بعد انتخابات آذار/ مارس ولكنه اعترف بالهزيمة الشهر الماضي عندما قال إنه لم يستطع تأمين الغالبية 61 مما فتح المجال أمام منافسيه للتخلص منه. وأثمرت جهودهم في التصويت على الثقة يوم الأحد 13 حزيران/ يونيو بانتخاب نفتالي بينيت، اليميني المتطرف والذي حصل على دعم من الطيف السياسي في إسرائيل.
وزعم نتنياهو أنه ضحية " لأكبر عملية احتيال" في تاريخ إسرائيل في محاولة منه لتقليد كلام دونالد ترامب الذي رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية العام الماضي. إلا أن نقاد نتنياهو يرون أنه الملام على سقوطه الأخير، فسنوات من الوعود الكاذبة وتعليقاته النارية ضد الفلسطينيين ومعاملته السيئة لحلفائه من اليمين المتطرف ومحاولاته الدائمة لتقويض الثقة بالنظام القضائي كانت سبب خسارته الحلفاء. وفي النهاية كان مهندس نهايته، كما يقولون.
وأشارت الصحيفة إلى سيرة نتنياهو المولود في تل أبيب والذي نشأ في القدس وبدأ حياته عضوا في وحدة الكوماندو "سايريت ماتكال"، وجرح بكتفه عام 1972 وقاتل في حرب أكتوبر 1973. وظل يعيش في ظل شقيقه يوني نتنياهو الذي قتل في عملية عنتيبي عام 1976. وبعد خروجه من الجيش عمل كمستشار في الولايات المتحدة حيث أصبح وجها معروفا في التعليق على النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.
وخلال تلك اللقاءات التلفزيونية استطاع نتنياهو اتقان فن ما يعرف بالعبرية "حسبارا" أو الدبلوماسية الإعلامية حول أهمية الأمن لإسرائيل، وهي اسم آخر مختلف للدعاية الإسرائيلية. وساعدته مشاركته في النقاشات العامة على الدخول في السياسة الإسرائيلية، حيث انتخب بعد عودته كرئيس لحزب الليكود عام 1993، ثم قاد الحزب للفوز في 1996 ليصبح أصغر رئيس وزراء لإسرائيل. وهزم في 1999 على يد زعيم حزب العمل إيهود باراك، مما عنى أن مستقبله السياسي قد انتهي، لكنه عاد بعد عقد وأصبح رئيسا للوزراء في 2009. وتبع ذلك انتصاره في 2013 و2015 مما جعله أطول رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل.
وكانت أهم نقطة في حياته السياسية عندما فاز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة عام 2016. فصراخ ترامب ضد المؤسسة كان مأخوذا من لعبة نتنياهو الذي أصبح وبشكل سريع حليفا له. وبسبب هذا أغدق ترامب هداياه على رئيس الوزراء السابق، من الاعتراف عام 2017 بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها. وساعد ترامب في مراحل رئاسته الأخيرة على اتفاقيات التطبيع بين دول عربية وإسرائيل.
وكانت سياسات ترامب متحيزة بدون حياء لإسرائيل مما اعتبر ضربة للفلسطينيين. كما توج ترامب مواقفه المتشددة من إيران بالخروج من الاتفاقية النووية في عام 2018 واغتيال القيادي العسكري في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في كانون الثاني/ يناير 2020 والتي تقول الصحيفة إن هذين العملين كانا نتاجا لجهود الضغط التي مارسها نتنياهو على ترامب.
وأشارت الصحيفة للحرب السرية التي خاضها ضد المصالح الإيرانية بما في ذلك تخريب في أهم مفاعل نووي وحرق سفينة "خرق" بداية الشهر الحالي. ويعتقد أن إسرائيل تقف وراء اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة في العام الماضي. وعادة ما وصف الإسرائيليون نتنياهو بـ "مستر أمن" باعتباره الشخص الوحيد القادر على حماية إسرائيل من إيران ووكلائها بالمنطقة ومن حماس أيضا. لكن هذا جاء بثمن باهظ، مقتل 1.400 فلسطيني على الأقل في حرب 2014 وستة إسرائيليين، ثم تبع هذا بحرب غزة في 2021 التي قتل فيها 251 فلسطينيا و13 إسرائيليا.
وشابت مسيرة نتنياهو الكثير من الفضائح الشخصية منها علاقات عاطفية واتهامات بأن خطابه التحريضي كان وراء اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحاق رابين في 1995 وهو ما ينفيه. كما كانت زوجته سارة نتنياهو محلا للأقاويل والفضائح. فقد اتهمت بالتنمر وانتهاك طاقم مقر إقامة رئيس الوزراء، مما ترك صدمات نفسية على واحدة من العاملات فيه. واتهمت في 2019 بإساءة استخدام أموال الدولة. واتهامات بإنفاق 70.000 جنيه استرليني لشراء طعام راق.
واستخدم نتنياهو لغة تحريضية ونارية ضد المواطنين العرب في إسرائيل منها تعليقاته أثناء انتخابات 2015 من أن العرب يتدفقون على صناديق الاقتراع أشتاتا وجماعات. وكانت المناورة التي قصد منها إخافة اليمين المتطرف سببا في فوزه الانتخابي الأخير. ولكنها شهادة عن البعد الانقسامي في شخصية رئيس الوزراء وأدت لسقوطه، ففي عام 2021 كان الصوت العربي عاملا مهما في التحالف الذي أدى للإطاحة به من السلطة. وقدم الحزب الإسلامي بزعامة منصور عباس الدعم للتحالف وكأول حزب عربي يشارك في ائتلاف حكومي وإن بدون حقائب وزارية.
وبعد توجيه اتهامات الفساد له عام 2019 أكد نتنياهو أنها محاكمة سياسة وعملية تصيد وجزء من حملة واسعة لتقويض ثقة الرأي العام بالإعلام والقضاء، مما دفع الكثير من حلفائه للتخلي عنه. وقالت المحللة الإسرائيلية داليا شيندلين: "ساهمت مشاكله القانونية في سقوطه ونفرت من حوله" و"لم يكونوا مرتاحين ببقائه في الحكم".
وتشهد إسرائيل منذ آذار/ مارس 2020 تظاهرات حاشدة ضد قيادة نتنياهو حيث وصف المتظاهرون نتنياهو بـ"رئيس الوزراء المجرم"، مما قوض من مصداقيته. وينفي نتنياهو الاتهامات ويتوقع أن تستمر محاكمته لسنوات وقد يواجه السجن في نهايتها. وبالموازاة مع محاكمات الفساد، فقد فشل رئيس الوزراء السابق الحصول على أغلبية في أربع جولات انتخابية في آذار/ مارس 2019 وأيلول/ سبتمبر 2019 وآذار/ مارس 2020 وآذار/ مارس 2021. وخسر العديد من الأنصار للأحزاب التي أنشأها حلفاء سابقون له- يامينا لبينيت وأمل جديد لساعر وبيتنا للبيرمان.
وبعد الجولة الأخيرة ظهر بينيت كرجل مرجح، فهو زعيم سابق للمستوطنين وميلياردير وقدم نفسه على أنه البديل الوحيد لليمين الذي يمثله نتنياهو. وبعبارات أخرى كانت الطريقة السيئة التي أدار فيها نتنياهو الحكومة سببا في خلق منبر لتحالف متنوع من اليمين الساخط بالإضافة لليسار والوسط الذين توحدوا ضده.
وحتى مع هزيمته لم يظهر نتنياهو أي نية للتخلي عن القتال ومن المحتمل خوض الانتخابات المقبلة من مقعد المعارضة. ويأمل حلفاء رئيس الوزراء بانهيار التحالف الهش في أسابيع. مما يعني أن خروج نتنياهو من رئاسة الوزراء قد لا يكون الفصل الأخير من مساره السياسي، مع أن هذا يعتمد على حزب الليكود وقراره في الأسابيع المقبلة بشأن الاحتفاظ به كزعيم له أم يتخلص منه. ويتعلق الأمر ببقاء الحكومة الجديدة التي لا تتفق على أي شيء سوى الإطاحة بنتنياهو.
ولكن ميراث الأخير يعطي صورة أن الإسرائيليين باتوا متعبين من طريقته الانقسامية في الحكم، وهم مستعدون للقبول بنهج يقوم على تسوية وحكومة وحدة وطنية.