تتطلب مواجهتنا للاحتلال الإسرائيلي وممارساته الإجرامية ضد شعبنا المتمثلة في المجازر البشرية، وحرب التجويع والحصار والعزل العنصري وتدمير اقتصادنا وإنتاجنا - تتطلب، أضعف الإيمان، الدفاع عن أنفسنا اقتصاديًا، وبخاصة لأن سوقنا الفلسطينية لا تزال حتى هذه اللحظة مستباحة لشتى المنتجات الإسرائيلية والأجنبية التي شكلت وتشكل عاملا أساسيًا من عوامل ضرب إنتاجنا والعديد من الوحدات الصناعية الفلسطينية التي لم تصمد أمام المزاحمة الخارجية.
وأكثر أشكال المقاومة جذرية وفعالية يتمثل في المقاطعة الشعبية للمنتجات الإسرائيلية، بالتوازي مع تحسين جودة الإنتاج المحلي وتوسيع وتطوير القطاعات الإنتاجية الفلسطينية المختلفة وتوفير الحماية والدعم الحقيقيين للمنتجات المحلية، وبخاصة الغذائية والزراعية.
عندما نشتري بضائع إسرائيلية أو أميركية (باعتبار أن الولايات المتحدة الأميركية داعم رئيسي لإسرائيل في تسليحها وتمويلها وعدوانها المتواصل على شعبنا)، فإننا نعمل عمليا على دعم وتقوية اقتصاد الاحتلال الذي سيزيد من وحشيته وجرائمه ضدنا.
لهذا، بدلًا من أن ندعم (دون قصد) اقتصاد الاحتلال، يجب علينا جميعا أن نعمل كل ما بوسعنا لإضعافه، وذلك من خلال التوقف عن شراء بضائعه، وتشجيع اقتصادنا الفلسطيني وحمايته، من خلال شرائنا للبضائع الفلسطينية والعربية، علمًا أن لكل البضائع الإسرائيلية الأساسية (الغذائية وغير الغذائية) يوجد مقابلها بضائع فلسطينية أو عربية بديلة.
كما أن الكثير من الأشياء التي نبتاعها من المحلات التجارية هي بضائع إسرائيلية غير ضرورية لحياتنا اليومية (سكاكر، شوكولا، مسليات وألعاب وغيرها)، لهذا علينا التوقف فورًا عن شرائها.
إذن، عدم شراءنا بضائع الاحتلال وشراؤنا بضائع فلسطينية وعربية، معناهما تقوية صمودنا بشكل عام وصمودنا الاقتصادي بشكل خاص؛ ذلك لأننا نعمل على حماية اقتصادنا وإنتاجنا المحليين اللذين يواجهان حرب تدمير منظمة، علمًا أن جزءًا هامًا من السلع التي نستهلكها (وغالبيتها مستوردة من "إسرائيل" والخارج) لا يشكل احتياجات أساسية وحيوية، وبالتالي يمكننا الاستغناء عنها، مقللّين بذلك من تسريب الفائض المالي المتراكم للخارج، وبالتالي نعيد استثمار هذا الفائض داخليًا، استثمارًا منتجًا ومستدامًا.
ومما لا شك فيه، أن وقف أو فرملة استيراد أو تدفق السلع الغذائية الإسرائيلية والأجنبية الأخرى إلى السوق الفلسطينية والتي تسببت وتتسبب في ضرب الإنتاج الغذائي والزراعي المحلي وكساده، يشكل مطلبًا اقتصاديًا ووطنيًا ملحًا ويساهم جديًا في تعزيز الاقتصاد المحلي المقاوم، وتثبيت الارتباط بالأرض، والانطلاق لزراعة المزيد من الأراضي.
محاربة النزعة الاستهلاكية
يتطلب التوجه الاقتصادي المقاوم، محاربة النزعة الاستهلاكية المهيمنة والمتمثلة ليس فقط في شراء المنتجات الإسرائيلية والأميركية بل حتى السلع الكمالية المحلية، وبالتالي لا بد من نشر الوعي التنموي والاستهلاكي الذي يعني ترشيد الاستهلاك وتكريس نمط استهلاك وطني، عبر تثقيف أنفسنا في بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا العامة وغيرها، على استهلاك المنتجات الفلسطينية والعربية التي يمكن أن تستبدل تدريجيًا المنتجات الإسرائيلية والأجنبية الأخرى.
وهنا لا بد من التنويه إلى أنه ليست كل السلع المنتجة محليًا هي سلع وطنية، بل وللتدقيق، علينا التمييز بين سلع وطنية وسلع محلية. فالسلع الوطنية هي السلع التي صنعت من مواد أولية (خام) فلسطينية أو عربية.
أما السلع المحلية فهي السلع التي صُنّعت من مواد أولية أجنبية أو مستوردة، علمًا أن الكثير من المواد الخام ومستلزمات التصنيع يحصل عليها المنتج الفلسطيني من مصادر إسرائيلية وأجنبية أخرى، بمعنى أنه قد تكون نسبة فلسطينية (أو عربية) سلعة معينة 40% أو 50% أو 90% أو 100%. وهنا لا بد من إيجاد الآلية المناسبة لتعريف المستهلك بالإنتاج الفلسطيني ومدى استفادة الاقتصاد الفلسطيني من كل سلعة نشتريها.
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من السلع الأميركية في أسواقنا المحلية هي في الواقع سلع إسرائيلية، بمعنى أن أصحاب الشركات الأميركية التي تصنع هذه المنتجات هم صهاينة يرصدون جزءًا من أرباحهم لدعم الدولة اليهودية والمنظمات الصهيونية الأميركية والعالمية.
كما يجب أن نحذر السلع الإسرائيلية المتسربة إلى سوقنا المحلية بأسماء فلسطينية وعربية.
وعندما نتحدث عن مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، فالمقصود شكل أساسي من أشكال مقاومة التطبيع مع الصهاينة ومؤسساتهم ومشاريعهم، باعتبار أن التعامل الفلسطيني والعربي مع المنتجات الإسرائيلية يُعد تطبيعًا مع هذه المنتجات والشركات والمصانع الإسرائيلية التي تُصنّعها.
وبما أن الشرائح الشعبية هي التي يقع على عاتقها الدور الأساسي في حماية المنتج المحلي، فلا بد لهذه الشرائح الواسعة من شعبنا الفلسطيني أن تستفيد من الأرباح الناتجة عن التزامها بموقف مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ودعم المنتجات المحلية؛ وذلك بتوفير مزيد من فرص العمل في المصانع والمنشآت الفلسطينية، والارتقاء بالاقتصاد الفلسطيني إلى حالة يستطيع معها توفير فرص أكبر للعمل ومستوى أعلى من الاعتماد على الذات.
نزعة الإفراط في التسوق: من أهم أسباب الأزمة البيئية العالمية
في عصر مراكز التسوق الكبيرة (malls) والإغواء بتنوع الإنتاج السلعي وضخامته، لا يتوانى العديد من الناس عن شراء سلع جديدة، بالرغم من صلاحية نفس السلع القديمة، فنزعة شراء المزيد والمزيد من الأشياء التي كثيرًا ما لا تكون ضرورية، والإسراع لاستبدال المنتج القديم بآخر جديد، يعدان أحد أسباب الأزمة البيئية العالمية المتمثلة في هدر الموارد والطاقة وتلوث الهواء.
وفي سياق حالتنا الفلسطينية، من الواضح أن محاربة النزعة الاستهلاكية والتقليل إلى الحد الأدنى من مشترياتنا، بالتوازي مع التركيز على شراء المنتجات الفلسطينية أو العربية إجمالًا، إنما يصب في طاحونة الحفاظ على مواردنا المحلية والتقليل من التلوث البيئي، ناهيك عن انسجام هذا التوجه مع اقتصاد الصمود والمقاومة.
فمن خلال تركيزنا على السلع الوطنية والمحلية والسلع الغذائية الطبيعية والبلدية، والمنتجات التي خضعت لأقل قدر ممكن من التصنيع، والتي لم تسافر مسافات طويلة، إنما نساهم في الحد من استهلاك الطاقة والتلوث البيئي والصحي.
وحيثما أمكن، فلنشتر سلعا مصنعة محليًا، وبخاصة تلك السلع التي تعرضت لأدنى درجات التصنيع، وأنتجت بطريقة عضوية وأخلاقية، وتحتوي على حد أدنى من التغليف القابل لإعادة الاستعمال والتدوير. ولنشتر منتجات غذائية محلية وموسمية، أُنتجت من مواد طبيعية. وبشكل عام، فلنتجنب البلاستيك والمعادن.
إن عملية الشراء من المنتجين المحليين، بشكل عام، أرخص، وتقلل من نفقات المواصلات، فضلًا عن تدويرها لنقودنا في داخل بلدنا.
كما أن شراء احتياجاتنا من المحلات التجارية المحلية، والتركيز تحديدًا على المنتجات المحلية والبلدية، يساعدان في الاحتفاظ بأموالنا داخل البلد، ويعززان التجارة المحلية. بمعنى أن التجارة بالمنتجات المصنعة محليًا، ومع الشركات والمنشآت المحلية، تضمن الحفاظ على معظم حركة السيولة المالية في إطار نفس المجتمع؛ وبالتالي تقليل تبعيتنا للاحتلال وتمتين استقلاليتنا الاقتصادية والغذائية، وفي المحصلة تعزيز اقتصاد الصمود والمقاومة.
مراكز لتجديد السلع القديمة وتدويرها
ولدعم هذا التوجه البيئي – التنموي المقاوم، لا بد من التفكير والتخطيط لإنشاء مراكز خاصة في مختلف المدن الفلسطينية، في الضفة الغربية وقطاع غزة، والأرض المحتلة عام 1948، تعمل على إعادة استعمال السلع وتجديدها؛ وبالتالي التقليل إلى الحد الأدنى من عملية الاستبدال المدمر بيئيًا ووطنيًا للسلع القديمة بسلع جديدة. وإلى مثل هذه المراكز، يجلب المواطنون سلعهم المنزلية القديمة أو التي تحتاج إلى إصلاح، مثل الأثاث، الأدوات الكهربائية، الملابس، الأحذية وغيرها، حيث يتم إصلاحها وترميمها وبيعها بأسعار رخيصة. كما يستطيع المواطنون أن يحضروا إلى هذه المراكز منتجات قابلة للتدوير مصنوعة من البلاستيك أو من الزجاج أو من الكرتون أو من الورق أو من غير ذلك. وتجري في هذه المراكز عملية فرز المواد القابلة للتدوير وجمعها وإرسالها للمنشأة المناسبة المختصة في التدوير.
وقد تكون مثل هذه المراكز تابعة للمجالس البلدية التي يمكنها، بالتعاون مع سلطة البيئة، الاستثمار في مثل هذا المشروع، بحيث يخصص له مبنى خاص.
ويُشكل هذا المشروع، بالتالي، فرصة للبلديات لرفع وعي المواطنين حول أهمية إعادة استعمال سلع "اليد الثانية" (second hand) القديمة والأقل بريقًا وجاذبية، والتي يمكن تحويلها إلى سلع تتماشى مع "الموضة"، تمامًا كما يعكف بعض الناس على شراء الأثاث العتيق أو الملابس القديمة.
وقد يستفاد من هذه المراكز، كمواقع للتربية والتدريب في مجال التدوير، فضلًا عن الاستفادة منها لنشاطات بيئية أخرى، أو لتنظيم دورات تعليمية خاصة للشرائح الطلابية المحتاجة في المجالات الاجتماعية والاقتصاد المنزلي وغيرها.
وتعد عملية إعادة استعمال المنتجات من المبادئ الأساسية للحفاظ على البيئة، علمًا أن إلقاء أية سلعة قديمة في حاوية القمامة سيتسبب في إشغالها حيزًا في مكب النفايات، ومع مرور الزمن، سينبعث منها إلى البيئة المحيطة مواد مؤذية، وأحيانا مواد سامة تتسرب إلى باطن الأرض أو المياه الجوفية.
إذن، حينما نمتنع عن إلقاء السلع القديمة في مكبات النفايات، فإننا نعمل على منع التلوث طويل الأمد ونقلل حجم النفايات في المكبات. وبالإضافة إلى ذلك، نخفض، بشكل عام، إنتاج السلع الجديدة واستنزاف المواد الخام واستهلاك الطاقة في الإنتاج، واستعمال الوقود في المركبات؛ وبالتالي، نقلل من انبعاث غازات الدفيئة ومن التلوث.
المصدر: آفاق البيئة والتنمية