قائمة الموقع

لقاحات كورونا.. فساد السلطة من التوزيع إلى الصفقة منتهية الصلاحية!

2021-06-19T14:11:00+03:00
لقاحات كورونا.. فساد السلطة من التوزيع إلى الصفقة منتهية الصلاحية!
الرسالة- محمد عطا الله

 منذ أن وصلت الدفعات الأولى من لقاح كورونا بكميات قليلة، الى الأراضي الفلسطينية في منتصف مارس من العام الجاري، فإن ثمة حالة من الغموض اكتنفت مصير آلاف اللقاحات التي وصلت بالتزامن مع الوقت الذي حددت فيه منظمة الصحة العالمية الفئات التي لها أولوية لتعاطي اللقاح.

ومع مرور الأيام فإن هذا الغموض بدأ يتلاشى شيئا فشيئا بعد أن بدأت تتسرب معلومات وتثار شبهات فساد حول آلية توزيع اللقاحات والفئات المستفيدة منها، بخلاف معايير التوزيع التي حددتها منظمة الصحة العالمية من الطواقم الطبية وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة!

ولعل القشة التي قصمت ظهر السلطة في ملف لقاحات كورونا، ما كشف عنه يوم أمس الجمعة عن شراء السلطة مليون جرعة لقاح من الاحتلال منتهية الصلاحية

 

  دون خطة

بداية شبهات الفساد بالتعامل مع لقاحات كورونا باتت أكثر وضوحا مع صدور تصريح لوزيرة الصحة في رام الله مي الكيلة فور وصول اللقاحات نهاية فبراير الماضي، والذي قالت فيه، إن قطاع الأمن سيستفيد من الدفعات الأولى للقاح، مع أنه خارج الفئات التي حددتها منظمة الصحة العالمية، وهو تجاوز فاضح في هذا الملف.

ما سبق جاء رغم تحذيرات الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة – أمان وقتها من غياب المعايير والشفافية في توزيع اللقاحات في فلسطين، ومخاطر ذلك، على ضوء "توزيع كميات منها خارج إطار خطة واضحة ومنشورة".

وقال "أمان"، في بيان إنه: "على الرغم من المراسلات العديدة لمجلس الوزراء حول ضرورة إعداد ونشر خطة توزيع لقاح فيروس كورونا، ما زالت المعلومات الواردة لائتلاف أمان تشير إلى استمرار وجود حالات عديدة من الحصول على اللقاح من قبل عدة أطراف، متخطين مبدأ الأولوية في التوزيع، والمرتبط بالطاقم الصحي وكبار السن والمرضى، وكل ذلك يترافق مع استمرار غض البصر من جهات الاختصاص".

وحذر "أمان" بشدة من خطورة استمرار عملية التوزيع غير المنظمة بخطة واضحة ومنشورة، "وإنما في إطار من المحسوبيات والعلاقات التي تسعى إلى المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة، دون الاكتراث بالواقع الوبائي الخطير الذي يحيط بالطواقم الطبية الفلسطينية والمرضى وكبار السن والتي ستؤدي إلى إثارة البلبلة والفوضى".

 تطعيم عظام الرقبة

ويُقر المتحدث باسم نقابة الأطباء في الضفة المحتلة د. رمزي أبو اليمن، إن توزيع التطعيمات في الضفة المحتلة جري بشكل غير عادل ومتخبط.

وأضاف أبو اليمن في تصريح سابق لـ"الرسالة": "يفترض أن توجه اللقاحات بشكل نظري للفئات المستحقة لكن بشكل عملي يجري توزيعها بدون ذلك، وجزء من الطواقم الطبية لم يطعم لهذه اللحظة".

وذكر أن جزءا من عملية التوزيع ذهبت لمن يقال عنهم "من عظام الرقبة"!

وفي السياق، انتقد إدارة أزمة الكورونا في الضفة، مضيفا: "الخطة الوبائية ذاتها المعمول بها منذ عام لم تتغير رغم أنها لم تعط أي نتائج، دون وجود أي خطة سياسية بديلة".

وأوضح أن فشل إدارة الأزمة يشير إلى خلل في غياب الرؤية الاستراتيجية للتعامل معها.

وأكدّ أن مستشفيات الضفة مرت في مرحلة الخطر الشديد وسط تفشٍ كبيرٍ للوباء وتصاعد في معدلات الإصابة.

وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية فإن ما يزيد عن 260 ألفا تلقوا جرعتين من اللقاح في الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى تاريخ كتابة هذا النص.

فيما قال مفوض ائتلاف أمان في تصريح سابق لـ "راديو حياة" إن وزيـرة الصـحة أبلغتنا بصورة غير مباشرة أنها لا تملك القرار في ملف لقـاحــات كورونــا، وأن مستويات سياســية تسيطر على القرار وتتخذه والوزارة تنفذ فقط.

وتزايدت الضجّة مع إعلان وزارة الصحّة قبل أشهر إرسال 200 جرعة من اللقاح إلى الديوان الملكي الأردني بطلبٍ من الأخير، وبموافقةٍ من مكتب رئيس السلطة محمود عباس، وذلك في ظلّ شحّ اللقاحات وحاجة الفلسطينيين إليها، وازدياد أعداد الإصابات والوفيات بشكل ملحوظ في الضفة الغربية.

ولاحقا جرى الكشف عن أن اللقاحات أرسلت إلى الديوان الملكي الأردني جاءت بعد تواصُل مسؤولين مقرّبين من عباس مع السلطات الأردنية، وطلبهم إليها السماح بإدخال لقاحات لأفراد عائلة "أبو مازن" الموجودين في المملكة، وخاصة لزوجته وأبنائه وأحفاده، الأمر الذي وافقت عليه عمّان وأرفقت به طلباً بتزويدها بـ 200 جرعة لمصلحة الديوان الملكي.

كذلك، حصل عدد من أقارب المسؤولين في رام الله على اللقاح، بِمَن فيهم زوجات وزراء وقيادات في السلطة وحركة "فتح" وأبناؤهم، بحسب مصادر في وزارة الصحة.

وهو ما يتوافق مع إعلان "الهيئة المستقلّة لحقوق الإنسان" رصدها لحالات تمّ فيها إعطاء اللقاح بناءً على الوساطة والعلاقات الشخصية، من دون أن تكون هناك أولوية طبّية مبررة، فضلاً عن قيام متنفّذين بمساعدة أقاربهم في الحصول على اللقاح بلا أيّ مبرّرات طبّية أيضاً.

 سرقة وتظليل

ومع بداية العام الجاري، تَسلّمت السلطة، بشكل سرّي، 200 لقاح من دولة الاحتلال مصدرها شركة فايزر، بما يكفي لـ 100 شخص، وأُرسلت تلك الجرعات إلى المستشفى الاستشاري في رام الله، من دون علم وزارة الصحة، لمصلحة مكتب عباس الذي تلقّى اللقاح وعدداً من المسؤولين المحيطين به الذين يجتمعون معه بشكل دوري، وآخرين يعملون في مكتبه الخاص.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد كشفت سقطة وقعها بها رئيس وزراء حكومة رام الله محمد اشتية مدى الكذب والتضليل التي تمارسه قيادة السلطة في ملف اللقاحات، حينما أعلن عن تطعيم حكومته أكثر من 100 ألف عامل فلسطيني باللقاح المضاد لكورونا، بينما أظهرت الصور والأخبار أن الاحتلال هو من قام بذلك.

وانتشرت صورة لجنود من نجمة داوود الحمراء الإسرائيلية وهم يعلنون تطعيم العامل رقم 100 ألف على إحدى الحواجز الإسرائيلية الفاصلة بين مدن الضفة والاحتلال، فيما يحرص الاحتلال على تطعيم العمال الفلسطينيين الذي يعملون في الداخل المحتل لتلافي مخاطر أن يقوم هؤلاء العمال بنقل الفيروس إلى مشغليهم.

  صفقة منتهية الصلاحية

حالة الفساد في ملف اللقاحات امتدت لتصل مؤخرا، إلى الإعلان عن عقد صفقة تبادل لقاحات "فايزر" المضاد لكورونا بين الاحتلال والسلطة في رام الله، تحول (إسرائيل) بموجبها حوالي مليون جرعة تنتهي فعاليتها الشهر الجاري إلى السلطة، وفي المقابل ستتلقى (إسرائيل) الشحنة القادمة من جرعات اللقاح التي خصصتها شركة فايزر للسلطة في أكتوبر وديسمبر المقبلين.

ورغم أن الإعلان جاء عن طريق المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي يوم أمس الجمعة دون أي إعلان مسبق من السلطة، إلا أن وزيرة الصحة الفلسطينية سارعت إلى الإعلان عن أن وزارتها بدأت باستلام نحو مليون جرعة من لقاح فايزر على دفعات تباعا.

وأكدت/ وفق البيان الصحفي، أنه تم تدقيق كافة الجوانب الفنية المتعلقة بالمطاعيم من لجنة فنية مختصة من الوزارة تؤكد صحة وصلاحية ومأمونية هذه المطاعيم، قبل أن تتراجع على وقع الضجة وحالة الغضب في الشارع الفلسطيني عن إلغاء هذه الصفقة.

وفي نفس اليوم، جاء إلغاء الصفقة بحسب ما أعلنت الحكومة تحت مزاعم أن "الطواقم المختصة في وزارة الصحة وجدت أن اللقاحات التي تسلمتها من الجانب الإسرائيلي لم تكن مطابقة للمواصفات، لذلك قررت الحكومة إعادتها، بحسب وزيرة الصحة نفسها التي أعلنت في وقت سابق صحة وسلامة صلاحية هذه اللقاحات!

وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة إبراهيم ملحم في مؤتمر صحفي مشترك مع الوزير الكيلة إنه بعد فحص الطواقم الفنية في وزارة الصحة للدفعة الأولى من لقاحات "فايزر" التي تم استلامها مساء الجمعة من (إسرائيل) والمقدّرة بـ 90 ألف جرعة، فقد تبين أنها غير مطابقة للمواصفات الواردة بالاتفاق".

الجدير ذكره أن تكلفة الجرعة الواحدة من لقاح فايزر تبلغ عشرين دولارا، مما يعني أن تكلفة المليون جرعة تبلغ عشرين مليونا، وهنا تثار العديد من الأسئلة أبرزها هل تتحمل السلطة تكلفة الغاء عقد الشراء مع الاحتلال؟ أو أن هناك شروطا أخرى.

ويؤكد الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي صالح النعامي أن إلغاء السلطة صفقة اللقاحات الفاسدة مع (إسرائيل) جاء فقط بعد افتضاح أمرها.

ويوضح النعامي عبر صفحته بالفيس بوك مغردا "لولا التحرك الواسع وخصوصا عبر مواقع التواصل لما تراجعت سلطة التعاون الأمني عن خطوتها المشينة"، مشددا على أن المطلوب حاليا إلغاء وجود السلطة ذاتها التي تمثل رئة ودرعا للاحتلال.

ويتساءل الكاتب حسام شاكر حول صفقة لقاحات كورونا بين السلطة والاحتلال: بالقول "لماذا لم تحصل السلطة على اللقاحات في وقتها وتم تخزينها كل هذا الوقت حتى أوشكت صلاحيتها على الانتهاء؟".

ويبين شاكر أنه لو رفضت السلطة هذا العرض لتكبّد الاحتلال خسائر محتملة بانتهاء صلاحية هذه اللقاحات، مضيفا "على ما يبدو السلطة قبلت أن تأخذ فائض لقاحات المحتلين، وهذا ينسجم مع دورها كسلطة وهمية تحت الاحتلال".

ويشير إلى أن واقع الحال أنّ السلطة كانت ستأخذ اللقاحات لأنّ الاحتلال كان سيُلقيها في القمامة، وسيحصل الاحتلال على لقاحات جديدة كان يُفترَض أن تحصل عليها السلطة.

ويختم بالقول "هذه فضيحة محتملة أو مؤكدة تمسّ كرامة شعب وعدالة القيمة الإنسانية للمواطن الفلسطيني، حيث تعمل السلطة في فناء الاحتلال الخلفي كمحطة تفريغ مهملات صحية أو إعادة تدويرها".

في نهاية المطاف يمكن القول إن السلطة مطالبة بأن تكون أكثر شفافية وأخلاقية في قضية التعامل مع اللقاحات سواء على صعيد شرائها وضمان صلاحيتها مرورا بآلية توزيعها بشكل واضح وشفاف وختاما بوصولها لمستحقيها من المواطنين وأصحاب الأولويات.

وتفيد قاعدة بيانات وزارة الصحة بأن إجمالي عدد المصابين بالفيروس منذ ظهور الجائحة في مارس آذار العام الماضي بلغ ما يزيد عن 341 ألفا توفي منهم 3816، وتعافى 334 ألفا.

 




 

اخبار ذات صلة