أكد إعلاميون وحقوقي أن اغتيال أجهزة أمن السلطة الفلسطينية للمعارض السياسي نزار بنات كشف عن واقع حرية الرأي والتعبير في الضفة الغربية المحتلة، والذي يؤكد استمرارها على ذات النهج منذ نشأتها عام 1994، مطالبين بضرورة حماية حرية الرأي والتعبير وعدم المساس بها.
جاء ذلك خلال ندوة نظّمها منتدى الإعلاميين الفلسطينيين اليوم الاثنين 28 يونيو 2021، في مقره بمدينة غزة، بعنوان "واقع حرية الرأي والتعبير في ضوء اغتيال الناشط نزار بنات" بمشاركة حقوقيين وصحفيين، وأدارها عضو مجلس إدارة المنتدى الإعلامي تامر لبد.
مسلسل اعتداءات
الناشط الحقوقي إسلام التميمي من الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان قال إن ما تعرّض له بنات يأتي استمرارًا لسلسلة اعتداءات تعرّض لها سابقًا من قبل السلطة الفلسطينية.
وأوضح التميمي أن بنات كان قد أبلغ الهيئة بتعرضه لملاحقة وتعذيب من السلطة، مشيرًا إلى أنها نقلت الصورة للنائب العام والجهات المختصة، متسائلاً: "كيف تتعاطى السلطة مع ملف حرية الرأي والتعبير؟".
وذكر أن الهيئة أوفدت طبيبًا شرعيًا ليشارك في عملية تشريح جثمان بنات، عدا عن طبيب منتدب من العائلة، موضحًا أن النتائج الأولية تفيد بتعرضه لعديد الضربات والكدمات في الوجه والجسد.
وقال التميمي: "هذه نقطة تحول خطيرة جدًا بكيفية تعامل السلطة مع المعارضين والنشطاء، وهو لم يحمل سلاحًا أو لم يحرض على العنف، بل يمارس حقه بحرية الرأي والتعبير كما عديد أبناء شعبنا".
وأوضح أن الأخطر هو كيفية معالجة السلطة لارتدادات ما حصل، "فبدلًا من خطوات ايجابية؛ أعلنت تشكيل لجنة لكن ذلك غير كاف وعليها اتخاذ إجراءات سريعة بينها إيقاف المعتدين، والتحفظ على أفراد القوة، وعمل خطوات على الأرض لبناء الثقة".
وأشار إلى أن أجهزة السلطة الأمنية هاجمت متظاهرين نددوا باغتيال بنات، فيما سمحت لآخرين مؤيدين للسلطة.
وجدد التميمي إدانة المؤسسات الحقوقية لجريمة اغتيال بنات، واعتداءاتها على المتظاهرين بأكثر من مناسبة ومكان، مؤكدًا موقف المؤسسات المطالب بالتوقف عن نهج القمع.
ودعا لكشف حقيقة اغتيال بنات، والمطالبة وبالضغط على الأجهزة الأمنية وكل من له صاحب قرار بالتوقف عن الاستمرار بهذه الإجراءات القمعية، والمساءلة والمحاسبة لمن قام بها وتعويض الضحايا.
انتهاكات مستمرة
بدوره، أوضح الكاتب المرشح المستقل أحمد أبو ارتيمة أن المعارض السياسي بنات كان الأكثر جرأة في نقد فساد السلطة ولا يجامل أحدًا، مؤكدًا أن جريمة اغتياله يؤكد استمرار انتهاكاتها المتواصلة بحق نشطاء حرية الرأي والتعبير، مبيناً أن جريمة السلطة بحق بنات كشفت طبيعتها باغتيال واعتقال المعارضين والسياسيين، مضيفًا: "رأينا ذلك منذ نشأتها عام 1994 بمجزرة مسجد فلسطين، واغتيالها لمقاومين".
وذكر أن عشرات قتلوا تحت التعذيب مثل مجد البرغوثي واسماعيل الخطيب، وقال أبو ارتيمة: "السلطة مشكلتها مزدوجة بداية بالفساد والدور الوظيفي لها؛ "كان لها غياب تام بأحداث الشيخ جراح والمسجد الأقصى والعدوان في غزة والمقاومة الشعبية التي يتشدق بها الرئيس محمود عباس".
وتابع: "هذا الواقع فاسد وغير طبيعي، إذ باتت السلطة عبئا على شعبنا.. وما حدث مع نزار ليس مرحلة جديدة بل كشف طبيعة السلطة". وأكد أبو ارتيمة أن رحيل بنات خسارة حقيقية لشعبنا؛ لأننا نحتاج لكسر حالة الخرس التام، "فقد كان ملهمًا ولا يجامل أحدًا قط.. من الصعب أن نعثر على شخص بمواصفات بنات بهذه المرحلة".
وختم: "حتى يتحول اغتيال بنات حالة ايجابية علينا أن نرفع سقف قول لا، وعلينا أن نعزز الحالة الوطنية الشعبية".
نقابة الصحفيين
من جانبها أكدت الإعلامية فداء المدهون أن ما حدث مع بنات جريمة سياسية، وهو أحد المرشحين في القوائم المستقلة المترشحة لانتخابات المجلس التشريعي، موضحة أن دائرة استهداف حرية الرأي والتعبير توسّعت لتستهدف الصحفيين، بعد الاعتداء عليهم من قبل الأجهزة الأمنية؛ "وللأسف بات المعتدين من الأجهزة الأمنية يرتدون الزي المدني".
وأضافت: "تاريخ الأجهزة الأمنية حافل بالاعتداء على حرية الرأي والتعبير؛ فمنذ نشأتها يتعرض الصحفيين لاستهداف ومؤسساتهم للإغلاق ومحاولة السيطرة على المحتوى الفلسطيني بمنع النشر والمقابلات".
وشددت على أن حماية الصحفيين يتمثّل بحماية حرية الرأي والتعبير، وأن المساس بها كالمساس بالمقدسات، ومطالبةً بفضح الانتهاكات التي تحدث ضد كل من يعبر عن رأسه سواء صحفي أو أي ناشط أو معارض سياسي.
وأكدت أهمية تحويل حادثة اغتيال بنات من نكبة ومصيبة إلى حماية لكل صوت حر وكل رأي مهما كان مخالفًا، مضيفًا: "يجب أن تتحول قضية بنات لأيقونة وطنية"، موضحة أن الحالة النقابية للصحفيين يرثى لها، إذ يتعامل معهم بانتقائية، وهي لا تمثّل المجموع الصحفي، مؤكدةً أن "رد فعل الصحفيين الذين مزقوا بطاقاتهم يعكس واقع هذه النقابة".
وطالبت باستقالة مجلس نقابة الصحفيين المنتهي ولايته، وأن يكون هذا ردًا أوليًا على اغتيال بنات والاعتداء على الصحفيين، داعيةً لانتخابات حرة ونزيهة.
وفي مداخلة له، قال مدير منتدى الإعلاميين الفلسطينيين محمد ياسين: " إن اغتيال الناشط السياسي نزار بنات رسالة من السلطة الفلسطينية للشعب الفلسطيني مفادها عدم تقبلها لرأي المواطن"، مطالباً بضرورة الرد على رسالة السلطة بتأكيد إصرار وتمسك الشعب الفلسطيني بحقه في حرية الرأي والتعبير، مشيراً بذات الوقت إلى صدمة الشارع الفلسطيني من جريمة الاغتيال، مشدداً على أن الشعب الفلسطيني "لم يناضل من أجل سلطة تذله أو تحرمه حقوقه وحرياته".