صدمت الأوساط الحقوقية الفلسطينية من بشاعة الجريمة التي ارتكبتها أجهزة أمن السلطة بحق الناشط المعارض نزار بنات، ما دفعها إلى إصدار ردود فعل حادة، إلا أنها لن تغير في الواقع شيئًا لطالما لم تحافظ على استمرارية موقفها ومتابعة القضية حتى تقديم المسؤولين عن الجريمة للمحاكمة النزيهة.
ولطالما وجهت الانتقادات للمؤسسات الحقوقية الفلسطينية، من ضعف أدائها في حال كانت السلطة برام الله في موضع الاتهام، في ظل تصاعد حجم الانتهاكات لحقوق المواطنين والحريات في الضفة خلال السنوات الماضية.
ويعود الارتكاز على المؤسسات الحقوقية وتعليق الأمل عليها في استرداد حق الناشط نزار بنات، في ظل تمكن السلطة من تغييب كل أدوات الرقابة والمراجعة، خاصة بعد تعطيل عمل المجلس التشريعي، والسيطرة الفعلية على السلطة القضائية، وكذلك التشديد على الحقوقيين والإعلاميين في الضفة، وإقصاء كل صوت معارض من الخصوم السياسيين للسلطة.
ويبدو واضحا من سلسلة الانتهاكات التي لا تنتهي على يد السلطة بحق المواطنين في الضفة، بأنها تمكنت من تحييد عمل المؤسسات الحقوقية خلال السنوات الماضية، إذ لا تزال السلطة مطلقة اليدين في اعتقال وتعذيب وإقصاء وحتى قتل المعارضين لها دون حسيب ورقيب، إلا إذا قررت المؤسسات الحقوقية تغيير هذا الواقع.
وفي ظل أن السلطة تحاول استغلال المؤسسات الحقوقية في عدة محافل وحوادث لتشكل منها مظلة تحميها من ردود الفعل الغاضبة، والتي كان آخرها تشكيل لجنة تحقيق حكومية في اغتيال بنات، وكان من أعضاء اللجنة عمار دويك رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، والذي كشف أنه لم يبلغ رسميًا بوجوده في اللجنة برغم الإعلان الرسمي عن تشكيلتها من قبل رئيس وزراء رام الله محمد اشتية.
وقال دويك في اتصال هاتفي مع "الرسالة" حول استمرارية عمل الهيئة، بأنها ستستمر في رصد كل الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية، وستبقى مستمرة في عملها كالمعتاد، مضيفًا أنه سيجري الإعلان عن نتائج التقرير حول اغتيال بنات.
وفي التعقيب على ذلك، يقول الناشط الحقوقي صلاح عبد العاطي إنه في ظل غياب المؤسسات الرسمية التي ترعى حقوق المواطنين وحرياتهم، ظهرت أهمية مؤسسات حقوق الإنسان في الحفاظ على حقوق الفلسطينيين، سيما عقب فقدان الحياة المدنية ووجود سلطة لا تحمي المدنيين بل تقمعهم.
وأضاف عبد العاطي في اتصال هاتفي مع "الرسالة": نلمس ارتفاعا في أداء منظمات حقوق الإنسان في مناهضة انتهاك السلطة للحريات، وهذا ليس رغبةً منها بقدر ما أن الواقع فرض نفسه، مع ازدياد انتهاكات السلطة وتجاوزها لكل الخطوط الحمراء.
وبين أن الواقع تسبب بتوجيه أصابع الاتهام للمؤسسات الحقوقية بأنها مقصرة في الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم.
وأشار عبد العاطي إلى أن السلطة باتت تحرض الشارع الفلسطيني بشكل غير مباشر على المؤسسات الحقوقية، مؤكدا على ضرورة وجود موقف واضح اتجاه استمرار انتهاك الحريات، وازدياد الاعتقالات التعسفية على الخلفية السياسية، وما سبق ذلك من فرض لقانون الجرائم الالكترونية واستغلال حالة الطوارئ لمواجهة كورونا في الانقضاض على الحريات وإقصاء الخصوم السياسيين.
وبيّن أن ما سبق أدى إلى إيجاد حالة احتقان غير مسبوقة لدى المواطنين اتجاه المؤسسات الحقوقية، وكذلك حالة من الغضب داخل المؤسسات نفسها، حيث باتت عرضة للمراجعة والنقد حول دورها وأولوياتها وقدرتها عل استثمار أدوات جديدة في ظل بيئة انتقالية تحت الاحتلال والانقسام.
وأكد عبد العاطي أن هذه المؤسسات باتت تعاني من إشكالية انفضاض القناعة لدى المواطنين حولها، وارتباط ذلك بالتمويل وخشية بعض نشطائها على حياتهم، وهذا نتاج القيود التي فرضتها السلطة على منظمات المجتمع المدني من خلال اغلاق الحسابات أو تقييد التمويل.
ما سبق يتزامن وفق عبد العاطي مع الغاء الانتخابات ما حال دون تغيير حقيقي ديموقراطي، بالإضافة إلى وقف الانتخابات النقابية وتعديل قانون الجمعيات الاهلية، وهذا كله أدى إلى سيطرة السلطة المطلقة على مؤسسات المجتمع المدني.
وأشار إلى أن المرحلة المقبلة سنشهد المزيد من الأدوار للمؤسسات الحقوقية، وهذا يتطلب وحدة الخطاب الحقوقي في فلسطين والبعد عن خطاب المهنية المفرطة والتركيز على قضايا الحريات بشكل حقيقي.