قبل أربعة أيام، نقل الاحتلال (الإسرائيلي) الأسير جمال الطويل من عزل سجن هشارون إلى عزل سجن أيلون الذي يقع في منطقة معزولة قرب مدينة "نتانيا"، حيث يعتقل الاحتلال فيه السجناء الأمنيين والجنائيين أيضًا.
ومنع الاحتلال عائلة الطويل من زيارته، كما مُنع هو من التواصل مع المحامين، والأهم أنه لا زال صامدا في اضرابه عن الطعام لليوم الثامن والعشرين، بمعنوياته المرتفعة ذاتها رغم خسرانه أكثر من خمسة عشر كيلو من وزنه.
كل ذلك أخبرتنا به زوجته منتهى الطويل في مكالمة "للرسالة" معها، التي لم تزره منذ اعتقاله، ولا تدري شيئا عن طبيعة وضعه الصحي حتى اللحظة.
وبين عزل وعزل، هناك تسكن بشرى الطويل، قضية والدها الأولى، والمعتقلة قبله بأشهر، والتي لأجلها لا يزال مضربا عن الطعام مقابل الافراج عنها، يبحث عن حرية ابنته دون حريته.
وفي بيت جمال الطويل، لم يكن هو وحده حسرة زوجته السيدة منتهى، ففي قلب الأم حسرة على ابنتها التي لم تصل الى الثلاثين ولا زالت تتنقل بين السجون، فاليوم ظهرا هو موعد مثولها أمام المحكمة العليا التي ستبت في أمر حريتها.
لا تعرف الطويل تهمتها ولا سبب اعتقالها، حيث لا زالت محتجزة إداريا في سجن هشارون لثمانية أشهر، بدون أي زيارة من أم أو أب، وبتتبع مؤلم لصحة والدها الذي يدفع الثمن الأكبر.
والدة بشرى أخبرت "الرسالة" أنها هاتفت ابنتها مرة واحدة فقط خلال الثمانية أشهر، وبأنها ممنوعة من الزيارة بأمر من إدارة السجون بحجة انتشار فايروس كورونا، ولكنها أيضا فرحة بمعنويات ابنتها العالية والتي تعلو أكثر بعد كل اعتقال، وكأن الاعتقال أصبح جزءا من روتينها اليومي تقابله بابتسامة ثبات لا مثيل لها.
الأم ثابتة، والأب ثابت، والابنة الصبية التي خطف منها العمر ثابتة، وكل منهم في مكان بعيد عن الآخر يبتسمان في كل مقابلة وينتصران كما كل مرة، وعلى السجان أن يعاود المحاولة، اعتقال وراء اعتقال، وعلى عائلة الطويل أن يعاودوا المحاولة هم أيضا بثبات يلحقه إصرار وراء إصرار.
الشيخ جمال الطويل لم يكن يوما رجلا عاديا، بل تقلد منصب رئيس بلدية البيرة في عام 2008 لأربع سنوات، كانت من أفضل السنوات التي مرت على المدينة، عمل من خلالها على اصلاح الفساد الذي تتركه المناصب السلطوية، وساهم في تنمية المشاريع التطويرية والتشغيلية في البيرة.
ولم يرق ذلك لبعض رؤوس الهرم في السلطة، التي ظلت تخاف من كل قائد وطني، فكان الاعتقال الدائم والمكرر هو المتحكم في المصائر، فقد اقتحم البلدية رجال أمن السلطة وطردوا الشيخ جمال الطويل من منصبه الذي استولت عليه السلطة.
وفي اعتقاله الأخير أراد أن يضع حدا لاعتقال ابنته المتكرر، فبدأ بإضراب مفتوح عن الطعام منذ مطلع يونيو/حزيران الماضي مطالبا بإنهاء الاعتقال الإداري لابنته "بشرى" المعتقلة منذ ثمانية أشهر.
أما بشرى التي تنتظر الآن محاكمتها بعد ساعات فهي تلك الصبية الإعلامية التي لم تتجاوز الثامنة والعشرين والتي تعرضت للاعتقال أكثر من خمس مرات، بمجموع أربعين شهرا قضتها متنقلة بين السجون.