صالح النعامي
على الرغم من أن الأهالي في البلدة كانوا يعرفون مصدر الضوضاء الناجمة عن تحطيم سياراتهم ومحالهم التجارية، إلا أنهم لم يجرؤوا على مغادرة بيوتهم، خوفاً على حياتهم.
فقد كان هؤلاء المستوطنين الذين فرغوا للتو من زيارة قبرين في محيط القريبة، يزعمون أنهما يعودان لإبني النبي هارون عليه السلام، وبعدما فرغوا من الزيارة، قاموا بتحطيم شواهد القبور في المقبرة القريبة، وبعد ذلك اقتحموا البلدة ليعثوا فيها فساداً.
هذا غيض من فيض مما يقوم به المستوطنون في ارجاء الضفة الغربية، فالمستوطنات هناك تحولت الى معاقل لأعضاء التنظيمات الإرهابية اليهودية. وحسب المعطيات الإسرائيلية فأن العديد من المستوطنات أصبحت تدار من قبل قيادات هذه التنظيمات، والتي تقر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، سيما جهاز المخابرات الداخلية " الشاباك "، بعجزها عن مواجهتها بسبب القيود التي يفرضها القانون الإسرائيلي على حرية حركة هذه الأجهزة في مواجهة هذه التنظيمات، ناهيك عن تمتعها بدعم كبير وغير محدود من قبل الأحزاب السياسية سواء الممثلة في الإئتلاف الحاكم، أو في المعارضة.
ويحيط بكل من نابلس، وسط الضفة الغربية، والخليل اقصى جنوب الضفة الغربية، المستوطنات التي تضم أكبر تجمع للتنظيمات الارهابية اليهودية. فإلى الجنوب من مدينة نابلس، تقع مستوطنة " تفوح "،والتي جميع سكانها هم من أتباع تنظيم " كهانا حاي " الإرهابي، الذي أسسه بنيامين كهانا، الذي قتل في عملية للمقاومة الفلسطينية في مطلع انتفاضة الأقصى، وهو نجل الحاخام مئير كهانا، مؤسس حركة " كاخ " الإرهابية، الذي قتل على ايدي شاب مصري في الولايات المتحدة.
ولا يحاول سكان المستوطنة اخفاء انتمائهم التنظيمي لهذه الجماعة الإرهابية، ليس هذا فحسب، بل أنه التلفزيون الإسرائيلي بث تحقيقاً صحافياً حولهم، حيث تباهوا في التدليل على عدم تأثرهم بمتابعة الأجهزة الاستخبارية لهم.
وقد بلغت درجة استخفاف هؤلاء بالأجهزة الاستخبارية والأمنية درجة أن احد قادتهم تحدث أمام كاميرات التلفزيون لأتباعه حول الطرق الواجب اتباعها في الرد على اسئلة محققي المخابرات.والى الشمال من مدينة نابلس تقع مستوطنتا " يتسهار " و" هار برخا "، والتي تعتبر بدورها معقلاً لعناصر التنظيمات الإرهابية، وأحد قادة المستوطنين المتطرفين في مستوطنة " هار برخاه "، هو يهودا ليفنات شقيق وزيرة الثقافة الإسرائيلية السابقة ليمور ليفنات، القيادية البارزة في حزب الليكود. ويتعاون سكان المستوطنات الثلاثة في التنكيل بالمواطنين الفلسطينيين في نابلس والبلدات والقرى المجاورة لها.
ويمنع هؤلاء المستوطنين الأهالي في القرى الفلسطينية المجاورة من جني محصول الزيتون في الكروم التي تزخر بها المنطقة. وفي مرات عديدة قام المستوطنون بسرقة المحصول بعد أن يقوم الأهالي بجنيه. الى جانب ذلك، فأن المستوطنين يقومون بالإعتداء على الفلسطينيين اثناء قيامهم بفلاحة أراضيهم.
وقد قتل عدد من الفلسطينيين في منطقة نابلس جراء اطلاق النار عليهم من قبل المستوطنين في المنطقة. ومن المعروف عن المستوطنين في هذه المنطقة بقيامهم بعمليات تحدي وعربدة، حيث يقومون بالتسلل الى قلب مدينة نابلس، والصلاة حول قبر يوسف، رغم قرار قيادة المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال الذي يحظر دخولهم المنطقة.
وفي منطقة الخليل يتواجد عدد من المستوطنات التي تمثل بؤر التنظيمات الإرهابية اليهودية. وعلى رأس هذه المستوطنة، مستوطنة " بت عاين "، والتي إنطلقت منها عدد من أخطر خلايا الإرهاب اليهودي، والتي كان اخطرها الخليلة التي القت المخابرات الاسرائيلية القبض عليها قبل عامين والتي قامت بزرع عبوات ناسفة في العديد من المدراس الابتدائية الفلسطينية في منطقة القدس والخليل.الى جانب ذلك تمثل مستوطنة " كريات اربع " والجيوب الإستيطانية في مدينة الخليل نفسها موطناً للتنظيمات اليهودية الارهابية التي تنادي بالعنف ضد الفلسطينيين، وعلى رأسها تنظيم " كاخ " الارهابي، الذي يتزعمه باروخ مارزيل، الذي يقطن الجيب اليهودي " ابراهام ابينو "،الواقع بالقرب من المسجد الإبراهيمي.
وينشط في منطقة الخليل، تنظيم " الأمن على الطرق "، وهو تنظيم تفرع عن تنظيم " كاخ "، وتشكل بدعوى العمل على تأمين حركة المواصلات للمستوطنين الذين يقطنون منطقة جنوب الضفة الغربية.
ولا جدال داخل اسرائيل على أن الذي يشجع على هذه التنظيمات على ممارساتها العدوانية ضد الفلسطينيين هو تجاهل اجهزة حفظ القانون الإسرائيلية التعامل بجدية مع الممارسات التي يقوم بها غلاة المستوطنين. فقد كشف تقرير صادر عن منظمة " يوجد قانون "، الإسرائيلية التي تعنى بمراقبة ممارسات الاحتلال في الضفة الغربية، عن أن 10% فقط من الشكاوي التي يتقدم بها المواطنون الفلسطينيون في الضفة الغربية للشرطة الإسرائيلية حول قيام المستوطنين اليهود بالإعتداء عليهم تنتهي بتقديم لوائح اتهام ضد هؤلاء المستوطنين؛ في حين أن 90% من هذه الشكاوي، يتم اغلاق ملفاتها دون تقديم لوائح اتهام. وجاء في التقرير " أن تعاطي الشرطة واجهزة القضاء الإسرائيلية مع الشكاوي التي يرفعها الفلسطينيين حول اعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون ضدهم يتميز بالإهمال واللمبالاة، وانعدام المهنية ".
وقال التقرير أنه في الأشهر الاحد عشر الأولى من العام الماضي قامت الشرطة بفتح 299 ملف للتحقيق في عمليات عنف قام بها المستوطنون ضد الفلسطينيين.
وكان الجنرال يوفال بزاك رئيس قسم " تطوير نظريات القتالية " في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، والذي سبق له أن تولى قيادة قوات الاحتلال في شمال الضفة أن قيام الجيش الإسرائيلي بغض الطرف عن ممارسات المستوطنين على مدى عشرات السنين من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة جعلهم يظنون أنهم فوق القانون، مؤكداً أن القانون السائد في الضفة الغربية هو قانون الغاب.
وأعتبر بزاك أن الذي ولد هذا الانطباع لدى المستوطنين هو طبيعة العلاقة غير الطبيعية السائدة بينهم وبين الجيش، مشدداً على أن الجيش لا يتعامل مع المستوطنين كجهة مسؤولة عن فرض القانون، بل أن العلاقة بين الجانبين تقوم على " صداقة حميمة ".
وأضاف أنه وبسبب هذه " الصداقة " لم يقم الجيش الإسرائيلي بدوره في احباط الاعتداءات التي ينظمها المستوطنون ضد المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية؛ حيث عكف الجيش الإسرائيلي على التستر على هذه الجرائم والتهاون مع مرتكبيها.