منذ مقتل نزار بنات على يد مجموعة من بلطجية السلطة، والشارع في حالة غضب وترقب، في انتظار موقف أو تصريح يقنعه أو يبرر له ما حدث، من خلال لجنة تشكل أو تحقيق يفتح أو متابعة عادلة، تعيد التوازن له، أو تستدرك شيئا من ماء وجه السلطة.
لكن أيا من ذلك لم يحدث، ليس لأن السلطة لا تريد، ولكن لأنها لا تمتلك شيئا تقدمه، بعدما فرطت حبات المسبحة من يدها، وبات اقناع الشارع الذي فقد كامل الثقة فيها أمرا مستحيلا.
لقد كان مقتل نزار بنات هو الشرارة ولكنه لم يكن السبب الأول، فهناك قائمة طويلة من الأسباب التي جعلت الشارع يتساءل، ما الذي قدمته السلطة لتبقى؟!
وبما أن موقف السلطة الفلسطينية هو الرسمي، وهي التي تتحرك وتقرر باسم الفلسطينيين بغض النظر عن موقف شريحة كبيرة من المواطنين من هذا التمثيل فكان لزاما على الجميع أن يحاسبها هي أولا.
وتبدأ المحاسبة باستعراض ما قدمته السلطة خلال السنوات الأخيرة وما أنجزه الاحتلال على حسابها في سلسلة طويلة تبدأ من ملف القدس وتنهي بملف الحريات.
السلطة الفلسطينية التي تتغنى بمشروعها الوطني، وبالقدس عاصمة لدولتين، لم تسر يوما باتجاه ترسيخ هذا المعنى، بل هي تتعامل مع رام الله وكأنها عاصمتها الحقيقية وذلك باستثمار ملايين الدولارات فيها منذ عهد سلام فياض ببناء عشرات المشاريع الاقتصادية والسياحية والثقافية في الوقت الذي يغلق الاحتلال فيه عشرات المؤسسات العربية في القدس المحتلة.
في المقابل يسيطر الاحتلال على 60% من الضفة عسكريا وأمنيا، فيما لا يحق للسلطة السيطرة على أكثر من 40% سيطرة شكلية، لأن الاقتحامات والاعتقالات والاغتيالات الإسرائيلية من مناطق السلطة تتم يوميا ودون أي مقاومة من الأجهزة الأمنية في ظل صمت وتعامي.
أما على صعيد الحريات فهناك 35 معتقلا وفق "محامون من أجل العدالة"، منذ الغاء الانتخابات، على الرغم من المرسوم الذي أصدره رئيس السلطة تمهيدا للإعلان عن الانتخابات التشريعية والذي يؤكد على حرية ممارسة العمل السياسي.
الحقيقة أن السلطة الفلسطينية لم يكن لها موقف من كل ما يحدث على الأرض، بل وبلغ بها الأمر أن وصفت التنسيق الأمني بالمقدس.
والحقيقة أن التنسيق الأمني طال كل مناحي الحياة في الضفة الغربية، حتى أنه وصل إلى التحويلات الطبية وحرية التنقل عبر الحواجز، حيث يوجد في مقر الإدارة المدنية في مستعمرة بيت إيل شمال رام الله أكثر من 20 ضابطا (إسرائيليا) يتعاونون مع أقرانهم في السلطة لضبط هذه العملية وفقا لمنهجية (إسرائيلية) أمنية.
أما على صعيد الاستيطان، يقول تقرير لمنظمة "السلام الآن" الإسرائيلية إن 2020 أنتج 12 ألفا و159 وحدة سكنية استيطانية، مشيرا إلى وجود 661 ألف مستوطن و132 مستوطنة كبيرة و124 بؤرة استيطانية عشوائية (غير مرخصة من الحكومة الإسرائيلية) بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، حتى أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وفي المناطق التي تخضع لحكم السلطة الذاتي!
وعلى الرغم من كل ذلك لا يضجر عباس من تكرير أسطوانة التهديد بإيقاف التنسيق الأمني، وبحل كل الاتفاقيات الموقعة دون أي تطبيق فعلي لذلك التهديد! يهدد بمواقف من الدول المطبعة، ولا يتخذ، وبدلا منها يتدفق المال كل عام عليه عند أي عملية تطبيع أو حرب تدفع غزة ثمنها وتقبض السلطة!
ومن اللافت أن حكومة الاحتلال كانت أول من فضح السلطة في جريمة قتل نزار بنات، وهي التي فضحت صفقة اللقاحات، وهي التي تتفنن في فضح السلطة، رغم الشراكة التي يقدسها عباس بينهما!!
اوهاد حمو الصحافي الإسرائيلي المختص بالشأن الفلسطيني علق على ما يحدث في الضفة قائلا: "نحن لا نتحدث عن ربيع فلسطيني، نحن نتحدث عن كراهية واحتقار يشعر به الاحتلال منذ سنوات طويلة، فهناك 37 قتلوا في سجون السلطة جراء آرائهم السياسية!
وفي السياق ذاته يقول المحلل السياسي خالد العمايرة إن موقف نزار بنات هو القشة التي قصمت ظهر البعير، والسلطة ليس لديها كثير من الخيارات بل هي في ورطة، الخياران أحلاهما مر.
ويتابع: فهي اما أن تنظف الأجهزة الأمنية وهذا سيسبب انفجارا داخل السلطة، أما الخيار الثاني من وجهة نظر عمايرة هو أن تقوم بسحق الشعب الفلسطيني والسيطرة عليه بالقوة على طريقة الأنظمة العربية ونعلم ما يمكن أن تؤدي إليه هذه السياسة.
ويرى المحلل السياسي أن السلطة لو أقدمت على الخيار الثاني فذلك سيكون النهاية، خاصة أننا لسنا دولة مستقلة و(إسرائيل) هي التي تقرر كل شيء، والسلطة لا تملك أوراقا ولا قرارا ولا حقا في القرار، ولا حتى الوقت لاستدراك ذلك.
تأجيل الانتخابات، أحداث الشيخ جراح، سلوان، باب العامود، أحداث الأقصى، حرب غزة، صفقة اللقاحات، اغتيال نزار بنات، ضرب وسحل وتعذيب واعتقال، كلها أحداث توالت خلال شهرين، لم يكن للسلطة فيها رأي أو موقف، ففجرت الشارع الضفاوي، وأفقدت الفلسطيني صبره.