يخيم التردد على المواقف الدولية من أحداث القمع الدائرة في الضفة الغربية، حيث تمارس أجهزة أمن السلطة كل أنواع القمع والاعتداء على المتظاهرين الغاضبين والمطالبين بتطبيق العدالة والقانون، ضد قتلة الناشط والمعارض السياسي نزار بنات، الذي اغتالته قوات الأمن قبل نحو أسبوعين.
فقد اكتفت الجهات الدولية ببيانات الإدانة دون ممارسة ضغط حقيقي على السلطة الفلسطينية، وهي سياسة الكيل بمكيالين التي يستخدمها المجتمع الدولي في التعامل مع مظاهر القمع.
مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين قال إنه "يشعر بالصدمة" من سلوك قوات الأمن الفلسطينية في رام الله، ضد المتظاهرين، بينما أدان الاتحاد الأوروبي "الاستخدام المفرط للقوة".
صحيح أن البعد الكبير محلياً ودولياً للجريمة شكل صدمة للسلطة الفلسطينية التي اعتقدت أن الجريمة ستمر بهدوء، لكن الأهم بالنسبة للسلطة هو الموقف الأمريكي، الذي أدان الجريمة، حيث دعت الخارجية الأمريكية إلى المحاسبة بشأن اغتيال الناشط بنات، وحثت أجهزة أمن السلطة على التعامل بشكل مهني في القضية، وأبدت الخارجية الأمريكية انزعاجها من تقارير عن استعمال أمن السلطة الفلسطينية للعنف ضد محتجين وصحفيين.
من ناحية أخرى فإن الموقف الأوروبي كان أكثر وضوحاً وقوة حيث قال مكتب الاتحاد الأوروبي في القدس إن حادثة مقتل نزار بنات لم تهز الشارع الفلسطيني المحلي فحسب بل الشارع الدولي برمته.
واضطر المكتب إلى توضيح أن مجمل الدعم الأوروبي موجه للشعب الفلسطيني ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" وليس للسلطة أو الأجهزة الأمنية، بالرغم من أنه شدد في الوقت ذاته على أنه لا توجد مساعدات أوروبية للفلسطينيين ضمن مبدأ "شيك مفتوح"، متسائلاً: "إلى متى يستمر الدعم بينما لا توجد تنمية ولا تكريس للحكم الرشيد، في الوقت الذي تتواصل فيه الانتهاكات من (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية بحق المواطنين الفلسطينيين؟".
الموقف الأميركي الباهت بالنظر إلى الإدارة الامريكية الجديدة ذات الخلفية الديمقراطية، والتي ترفع لواء حقوق الانسان والحريات، يخفي خلفه مراقبة حثيثة للأحداث والمواجهات في رام الله وباقي محافظات الضفة الغربية.
وبحسب مصادر صحفية فإن برقية التعزية التي أرسلتها الخارجية الأمريكية لعائلة بنات شكلت صدمة وحرجا لقيادة السلطة التي وقفت عاجزة وصامتة أمام الحادثة.
وأوضحت المصادر أن ثمة اتصالات ساخنة ترِد من واشنطن الى رام الله تحثّها على عدم قمع التظاهرات السلمية في رام الله؛ منعاً لوقوع أمور لا تُحمد عقباها، مشيراً إلى أنّه إذا استمرت السلطة بطريقتها ومنهجيتها في التعامل مع المتظاهرين، فإن الموقف الأميركي والأوروبي قد يتطور إلى خطوات توبيخية موجهة للسلطة، وربما تصل إلى مستوى تقنين المساعدات المالية.
الموقف الأميركي والأوروبي من حالة القمع والملاحقة الكبيرة التي يتعرض لها المواطنون في الضفة يثير قلقا كبيرا في الأوساط الدولية، ولكن القلق ليس على المتظاهرين، وإنما على مستقبل السلطة التي فقدت شرعيتها ومبررات وجودها في الشهور الأخيرة خاصة.
وخلال معركة "سيف القدس" ظهر ضعف السلطة وتراجعت مكانتها وسيطرتها وتحكّمها في ضبط الشارع الفلسطيني، من ناحية أخرى فإن إلغاء عباس الانتخابات التشريعية أفقده شرعية وجوده وأضعف من مكانته أمام المجتمع الدولي الذي يرى فيه رئيسا ضعيفا ومهزوزا وفاقدا للشرعية.
وتخشى الجهات الدولية من انعكاس الأحداث الأخيرة على الحالة الفلسطينية عموماً، وعلى السلطة في الضفة الغربية خصوصاً؛ فهي ستعمّق الشرخ بينها وبين الشعب الفلسطيني، وتزيد من تراجع شعبية حركة "فتح"، وستؤدي إلى تدهور في شعبية أبو مازن، وانهيار في ثقة المواطن الفلسطيني بالأجهزة الأمنية، وهو ما أظهرته استطلاعات الرأي الأخيرة.
هذه الحالة تثير مخاوف حقيقية لدى المجتمع الدولي الذي أنشأ السلطة وعزز وجودها ووفر لها كل أشكال الدعم المالي والاعتراف الدولي، بهدف حماية أمن الاحتلال والقضاء على المقاومة، لذا فإن زعزعة حكمها في الضفة يشكل هاجسا كبيرا يمنع المجتمع الدولي من ممارسة ضغوط أو عقوبات ضدها، يمكن أن تضعفها أكثر.
وفي الوقت ذاته، فإن سلوك السلطة الأمني محرج للغاية لهذه الدول التي ترفع صوتها الداعم للحريات وفي الوقت ذاته تحاول المحافظة على وجود السلطة.
وهذا ما يفسر ما نقلته صحيفة إيلاف السعودية أن سفير الولايات المتحدة في عمان استدعى الأسبوع الماضي الرئيس محمود عباس والوزير حسين الشيخ ورئيس المخابرات الفلسطيني ماجد فرج.
وبحسب الصحيفة فإن السفير الأميركي وبخ القيادة الفلسطينية باسم الرئيس جو بايدن، وأكد أن الولايات المتحدة لن تسكت أمام مقتل بنات على يد الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وأن الرئيس عباس أوعز من الأردن باعتقال العناصر ال ١٤ الذين شاركوا في عملية الاغتيال.
عباس وفرج أكدا للسفير الأميركي أن القضية قيد التحقيق وأن قيادات في الأمن الوقائي الفلسطيني يتم التحقيق معهم، وأن السلطة ستقدم الفعلة للقضاء فور انتهاء التحقيق، وفق الصحيفة.