أكد المتحدثون في ندوة أقامها مركز دراسات الشرق الأوسط الثلاثاء بعنوان "دور الأردن في القضية الفلسطينية ما بعد معركة "سيف القدس" على أهمية تنويع الخيارات في العلاقة الأردنية مع القوى الفلسطينية والقوى الدولية بما يعزز من دور الأردن تجاه القضية الفلسطينية ويحقق المصالح الأردنية العليا.
وأشار المتحدثون في الندوة التي أدارها رئيس المركز جواد الحمد وشارك فيها عدد من الشخصيات السياسية والأكاديمية، إلى ضرورة استثمار التغييرات في توجهات الرأي العام الأمريكي لصالح القضية الفلسطينية، ولما تمثله القضية الفلسطينية من ملف سياسي وطني داخلي بالنسبة للأردن، وما يمثله قيام الدولة الفلسطينية من مصلحة وطنية أردنية، وموقف الأردن الثابت في رفض سياسات الاستيطان وقضم الأراضي والتهجير وهدم المنازل، وأي حلول مستقبلية على حسابه، مؤكدين على ضرورة استثمار الأردن لقوة الجبهة الداخلية وتماسكها تجاه القضية الفلسطينية في مواجهة التهديدات الإسرائيلية.
وفي المحور الأول للندوة ناقش المتحدثون "طبيعة الدور الأردني القائم قبل المعركة والتحديات التي تواجهه"، حيث أكد الوزير الأسبق الدكتور أمين مشاقبة على أن تراجع العلاقات الأردنية- الإسرائيلية يعود إلى سيطرة اليمين المتطرف على مفاصل الحكم في (إسرائيل)، وتحديداً الحكومة بقيادة بنيامين نتنياهو والنزعة ، إضافة لسياسات الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة ترامب أثر سلباً على تراجع الدور الأردني وقوة تأثيره.
كما أكد مشاقبة على أن معركة "سيف القدس" منحت الأردن قوة في الوقوف ضد المخططات الإسرائيلية، وبأن قيمة الدور الأردني سوف تزداد كلما كانت الحكومة الإسرائيلية أكثر عقلانية، مشدداً على ضرورة إعادة التنسيق مع الأطراف الفلسطينية وخصوصاً حركة "حماس"، وذلك دون مزاحمة مصر على دورها في القضية.
وحول الأبعاد (السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية) لانعكاسات المعركة على الدور الأردني أشار أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية الدكتور حسن المومني في ورقته إلى أن معركة سيف القدس كان لها انعكاسات على كافة الأطراف ذات الصلة، بما في ذلك تعزيز الدور الأردني القائم في ظل تمتعه بواقع استراتيجي غير قابل للتجاوز، والمساهمة في تعزيز الوحدة الوطنية الأردنية وإحياء الذاكرة الجمعية، خصوصاً لدى الشباب، فيما لم يشكل هذا التصعيد أي تهديد أمني للأردن، بل فتح فرصاً جديدةً له، إضافة لتأكيد دور الأردن كحاضنة اجتماعية واقتصادية لدعم وصمود الشعب الفلسطيني.
وحول "الفرص أمام الدور الأردني وملامحه" أوضح النائب السابق جميل النمري أن الأردن قد عانى قبل المواجهة الأخيرة من اشكالات معقدة في علاقته بالقضية الفلسطينية، حيث كلما ارتفع التوتر والمواجهات في الداخل ارتفع التوتر في الداخل الاردني، كما عانى من تنكر كيان الاحتلال لشروط الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية الذي ينعكس بشكل مباشر على الأمن الوطني الأردني والاستقرار، خاصة بوجود مشروع الوطن البديل ومشاريع اليمين الاسرائيلي المتطرفة لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن.
واعتبر النمري أن المعادلات تغيرت في ظل السياق الذي جاءت فيه معركة سيف القدس، حيث وفرت بيئة ممتازة لانقلاب الموقف لصالح الأردن وسياساته على جميع المستويات، بتنامي الوعي الشعبي والسياسي بأن الاحتلال الاسرائيلي هو العائق الوحيد أمام الوصول الى حل سياسي، وتنامي الثقة بإرادة الشعب الفلسطيني بالصمود على ارضه، إضافة إلى اتحاد الموقف الرسمي والشعبي في مواجهة صفقة القرن وظهور الاردن بموقف قوي رغم شح الإمكانات مقارنة بمواقف دول عربية اخرى هرولت للتطبيع المجاني مما عزز منسوب الثقة بين الجانبين الاردني والفلسطيني شعبيا ورسميا، كما أشار إلى ما حققته حركة حماس من إنجاز ميداني وشعبي انتصارا للقدس ودحضت كل الروايات عن الاستقلال بإمارة غزة، حيث أكد النمري ضرورة إعادة العلاقات مع حماس على قاعدة القواسم المشتركة في القضية الفلسطينية، وإعادة ترسيم العلاقة مع السلطة الفلسطينية على قاعدة التشاور والتنسيق، وقطع الطريق أي استغلال إقليمي للقضية الفلسطينية، وإعادة بناء استراتيجية عربية متوافقة لدعم القضية الفلسطينية، مع استثمار التغير الادارة الامريكية لصالح القضية.
من جهته أكد الكاتب والمحلل السياسي عاطف الجولاني في مناقشته "ملامح الدور الجديد ومتطلبات نجاحه" على أنه في حال اختار الأردن اغتنام الفرص والمساحات التي أتاحتها معركة سيف القدس، فإن من أبرز الملامح المتوقعة للدور الأردني الجديد في القضية الفلسطينية على المستوى الرسمي في المرحلة الجديدة هي فتح علاقات أردنية أكثر توازناً وانفتاحا مع مختلف القوى والأطر المؤثرة في الساحة الفلسطينية، ودور مستمر وفاعل في رعاية المقدسات في مدينة القدس وفي حمايتها والإشراف عليها بما ينسجم مع الوصاية الأردنية على المقدسات.
وعلى المستوى الشعبي أكد الجولاني ضرورة وجود جهد شعبي منسٌق ومهدّف لتفعيل جهود دعم حق العودة، وتشكيل ضغط مهم في ملف عودة اللاجئين إلى أرضهم، مشيراً إلى أن نجاح الدور الأردني الجديد المنشود في القضية الفلسطينية يتطلّب عدة شروط مهمة من أبرزها حسم الأمر واتخاذ قرار استراتيجي أردنياً بلعب دور أكثر فاعلية وتأثيراً في القضية الفلسطينية، واعتماد مقاربة جديدة في العلاقة مع أطراف الساحة الفلسطينية، تقوم على أساس وقوف الجانب الرسمي على مسافة واحدة منها، واستثمار التغير في الحكومة الإسرائيلية، وإقناع الإدارة الأمريكية الجديدة بضرورة لعب الأردن دوراً أكثر نشاطاً وحيوية في الملف الفلسطيني، إضافة إلى إسناد أوروبي لذلك.
وفي حديثه حول "دور الجبهة الأردنية الداخلية في إحداث قفزة نوعية في دور الأردن في القضية الفلسطينية" أشار الكاتب والمحلل السياسي عبد الله المجالي إلى ما يشكله التاريخ المشترك والتضحيات التي قدمها الأردنيون في فلسطين، وأواصر الوحدة بين الشعبين الأردني والفلسطيني، إضافة إلى قداسة القضية الفلسطينية، من روافع للجبهة الداخلية الأردنية، معتبراً أن الهبة الشعبية الواسعة خلال أحداث القدس ومعركة سيف القدس، وانخراط كافة مكونات الشعب الأردني فيها، أظهرت مدى تماسك الجبهة الداخلية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، إضافة إلى انسجام الجانب الرسمي والتناغم مع الرأي العام والمواقف الشعبية، رغم التباين بينهما في ملفين رئيسيين في آلية التعاطي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، والاعتراف بها والتطبيع معها، وفي طريقة التخلص من الاحتلال.
وأكد المجالي على أنه في ظل تماسك الجبهة الداخلية وتوافر ظرف دولي ورأي عام عالمي يمكن أن يشكل ذلك رافعة كبرى لصانع القرار الأردني مما يتيح له استعادة دوره الحيوي في الملف الفلسطيني، كما أن هناك فرصة متاحة لممارسة أقصى الضغوط على الاحتلال الإسرائيلي لإيقاف تغوله في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة، وتكريس دوره في الوصاية على المقدسات في القدس، مع ضرورة البحث في خيارات متنوعة للتعامل مع الاحتلال بما في ذلك خيار فشل تطبيق حل الدولتين بفعل السياسات الإسرائيلية.