كان محمد أبو سارة برفقة أبيه وشقيقيه الأصغر يستقلون سيارتهم، وحينما وصلوا إلى الحاجز، ذكّر محمد والده: "لقد نسينا الذهاب إلى البقالة!" ما دفع الأب لأن يدير السيارة عائداً من أمام الحاجز، فأمطره الجنود بوابل من الرصاص.
اخفضوا رؤوسكم، هكذا قال والدهم وهو يتراجع من حاجز بيت أمر قرب الخليل، حينها خفضوا جميعهم رؤوسهم مع سماع الرصاصات، ورفعوها، لكن وحده محمد أكبر أبنائه لم يرفع رأسه.
هذا الصغير جداً على الموت، الصغير جداً من وجهة نظر العالم، مات على الحاجز برصاصة كأي فلسطيني يموت كل يوم، وكطفل ثالث خلال أسبوع، بعدما أصبحت دماء الفلسطيني مستباحة في كل طريق حتى لو كان طريقاً لشراء الخبز من البقالة.
الوالد لم يصدق أن رأس محمد الملقاة في حضن أخته الأصغر هي رأس شهيد، كان يعتقده نائماً حينما داعبه ورفع رأسه ليجد الدماء تخرج من رقبته، وقد استشهد فور وصوله إلى المستشفى.
بحرقة قلب يتساءل الوالد وقد جحظت عيناه: "ما الذي فعله ابني؟ لماذا يموت هكذا بهذه البساطة؟ لقد كان حياتي، لقد تعبت حتى أنجبته بعد زواجي بسبع سنوات، خطفوا قطعة من قلبي، أنا الذي مت، مش محمد".
إجرام الاحتلال يظهر في صورة محمد وهو مسجى، رصاصات تدخل من النوافذ على أطفال صغار أكبرهم محمد، فقط لأن والدهم قرر أن يعود لشراء الخبز، في إثبات آخر بأن حريتك بالتنقل مرهونة بحاجز، وبرصاصة الاحتلال، فلم يعد بيدك قرار الكيفية التي تحيا بها وتتحرك.
لم يكن محمد المستهدف في هذا القتل البارد، لقد كان هو وأخوته ووالده في دائرة الاستهداف، أُطلق الرصاص عليهم جميعاً، على عائلة كاملة، دون سبب، فقط لأنهم نسوا شيئاً وقرروا العودة لإحضاره.
ليست هذه الحادثة الأولى، فمن الملاحظ أن استهداف الاحتلال للأطفال بات في تزايد خلال الفترة الأخيرة، فقد دفن محمد أبو سارة بعد ثلاثة أيام من دفن الطفل محمد تميمي، الذي استشهد متأثرًا بإصابته بالرصاص، خلال تفريق جنود الاحتلال متظاهرين رافضين للاستيطان في قرية النبي صالح، شمالي رام الله.
وقالت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال تعليقًا على حادثي القتل إن قوات الاحتلال باتت تقتل في ظروف غير مبررة يبدو فيها الاستخدام المفرط للقوة هو القاعدة، مشيرة إلى أن الإفلات الممنهج من العقاب يعرض الأطفال الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي للقتل في أي لحظة دون محاسبة للقتلة.
وأوضحت الحركة أن التحقيقات والأدلة التي جمعتها تشير بانتظام إلى أن قوات الاحتلال تستخدم القوة المميتة ضد الأطفال الفلسطينيين في ظروف قد ترقى إلى القتل خارج نطاق القضاء أو القتل العمد حسب طريقتها في التعبير.