في الثاني من أغسطس 2016 أصدررئيس السلطة محمود عباس قرارًا باعتباره يوم حرية الرأي والتعبير في فلسطين.
ويلجأ عباس منذ تعطيله المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2007 لإصدار المراسيم الرئاسية دون موافقة المجلس، والتي سرعان ما يستغني عن تلك القرارت حال خالفه أحد بالرأي.
حالة من القمع وتكميم الأفواه تشهدها الضفة المحتلة بسبب ملاحقة عناصر السلطة كل من تسول له نفسه الاعتراض على أي قرار تتخذه السلطة حتى لو خالفت المعايير الوطنية، وقد يؤدي العقاب إلى القتل كما حدث قبل أربعين يوما مع الناشط نزار بنات.
وفي حال خرج المواطنون في مظاهرات سلمية للاعتراض على أسلوب السلطة في التعامل مع النشطاء، تكون الهروات الثقيلة حاضرة عدا عن سحل الفتيات وضربهن.
ومع اشتعال الاحداث الأخيرة في الضفة المحتلة بسبب مقتل الناشط بنات، وخروج الالاف من المتظاهرين، لم تهدأ عناصر الأجهزة الأمنية من ملاحقة المواطنين لدرجة أن تلك العناصر كانت تتخلى عن زيها الرسمي وتتنكر بالمدني لصيد وضرب أكبر عدد من الشباب، وكان في ذلك معارضة لقرار "حرية الرأي والتعبير" الذي اتخذه رئيس سلطتهم.
ولم يتوقف حد الانتهاكات إلى الضرب والملاحقة والاعتقال، بل وانتهكت مؤسسات عامة الحق في حرية الرأي والتعبير، من خلال إصدارها تعليمات شفهية في عدة مؤسسات، تعرض بموجبها عدد من الموظفين للتهديد بالفصل من الوظيفة العامة، لكل من يعلق من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو يشارك في التجمعات السلمية المنددة بمقتل الناشط السياسي نزار بنات.
وتجدر الإشارة إلى أنه رغم مرور 40 يوما على اغتيال نزار بنات ومطالبة ذويه الجهات الرسمية بمحاكم الجناة وعرض نتائج التحقيق، الا أن السلطة تتعنت وترفض ذلك.
واستشهد بنات بعد ساعات من القبض عليه من طرف قوة أمنية تابعة لأجهزة السلطة في مدينة الخليل، جنوبي الضفة، فيما اتهمت عائلته تلك القوة باغتياله، وعقب الجريمة شكلت حكومة رام الله لجنة تحقيق رسمية في اغتياله، وتم إحالة تقرير اللجنة إلى القضاء العسكري، وجرى اعتقال 14 عنصر أمن فلسطينيا.
وأواخر يونيو الماضي، أعلن رئيس لجنة التحقيق وزير العدل في حكومة اشتية محمد شلالدة، أن بنات "تعرّض لعنف جسدي، ووفاته غير طبيعية".
وجهارا وبعد تهديدات المؤسسات العامة لموظفيها، ألغت السلطة الفلسطينية، مادة من "مدونة السلوك وأخلاقيات الوظيفة العامة"، تُتيح للموظفين التعبير عن آرائهم، جاء ذلك بحسب ما ورد في العدد 181 من الجريدة الرسمية "الوقائع الفلسطينية"، والتي صدر آخر عدد منها، الأسبوع الماضي.
وتضمن العدد "قرار مجلس الوزراء رقم 3 لسنة 2021، بإلغاء المادة 22 من قرار مجلس الوزراء رقم 4 لسنة 2020م بالمصادقة على مدونة السلوك وأخلاقيات الوظيفة العامة".
وجاء في القرار أنّ "مجلس الوزراء قرر في جلسته المنعقدة بتاريخ 5/7/2021؛ إلغاء المادّة 22 من مدونة السلوك وأخلاقيات المهنة"، وبحسب المادة الثانية من القرار فإنه "يُلغى كلّ ما يتعارض مع أحكام هذا القرار"، أما المادة الثالثة فقد أشارت إلى أنه "على كل الجهات المختصّة كافة، كلّ فيما يخصّه، تنفيذ أحكام هذا القرار، ويُعمل به من تاريخ صدوره".
وبررت السلطة الغاء المادة 22 من مدونة السلوك، بأنه لإزالة أي تعارض أو تقييد للحريات العامة، لكن ما يجري على أرض الواقع حتى اللحظة مخالف لكل ما تنصه من مواد وقوانين.
وزعمت السلطة بحكومتها التي تمارس القمع بشتى أنواعه عبر اصدار التعليمات للأجهزة الأمنية التي تتبع وزارة الداخلية، بأن كل ما يشاع حول تقييد حرية التعبير مجاف للحقيقة، مدعية التزام حكومتها بضمان حرية الرأي والتعبير المكفولة بموجب القانون الأساسي والمواثيق والمعاهدات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين والقوانين والتشريعات الوطنية السارية.
تلك القوانين والقرارات التي تصدرها السلطة لقمع حرية الرأي والتعبير لم تلق لها بالا، دون الاكتراث لنتائج ما فعلته، وذلك بخلاف واشطن التي أعربت عبر إفادة المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد والتي قالت:" نشعر بالقلق إزاء التقارير الأخيرة عن تحرك السلطة الفلسطينية لتقييد حرية الفلسطينيين في التعبير، ومضايقة نشطاء ومنظمات المجتمع المدني، هذا غير مقبول"، مطالبة في الوقت ذاته بإجراء تحقيق كامل في ملابسات وفاة نزار بنات ومحاسبة المسؤولين.
في يوم حرية الرأي.. السلطة تناقض قراراتها وتقمع من يخالفها
غزة – مها شهوان