كل جريمة ترتكبها الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة رام الله على خلفية حرية الرأي والتعبير، تبقى راسخة في عقول المواطنين، خاصة أن تلك الحوادث تتكرر لمجرد أن يحاول أحدهم الاعتراض على قرارات السلطة فالمصير السجن والتعذيب الذي يصل حد الموت.
حادثة اغتيال نزار بنات الذي اعتقلته السلطة وقُتل على أيدي عناصرها قبل حوالي الشهرين، أشعلت إحياء ذكرى العديد من المعارضين الذي كان مصيرهم الموت أمثال الشيخ كمال أبو طعيمة الذي صادف قبل أيام مرور 12 عاما على اغتياله بسبب التعذيب على أيدي عناصر جهاز الأمن الوقائي في الخليل بتهمة انتمائه لحركة حماس.
تلك التهمة توجهها بالعادة سلطات الاحتلال بحق المقاومين، إلا أن التنسيق الأمني الذي وُصمت به أجهزة أمن السلطة بالضفة بالغربية المحتلة، جعل من مقاومة الاحتلال تهمة تستحق العقاب في عقيدة أجهزة التعاون مع الاحتلال.
تفاصيل أساليب التعذيب تتشابه بين كل من وقع تحت أيدي الأجهزة الأمنية، ربما المختلف هو عدد أيام التعذيب.
أُلقي القبض على أبو طعيمة في سبتمبر 2008، حين باغته عناصر من الوقائي بينما كان في محكمة الصلح بمدينة يطا جنوب الخليل يسعى للإصلاح بين عائلتين، فاقتادوه بهمجية إلى أحد مراكز المدينة، دون مراعاة لحرمة شهر رمضان وقتئذ.
وخلال مدة حبسه ذاق أصنافًا من التعذيب بدءًا من الشبح وحتى الضرب بالهراوات والمطارق، وكانت سياط المحققين تنهال عليه وهو معصوب العينين، وتركز التحقيق معه حول انتمائه لحماس ودوره في تقوية بنائها التنظيمي وعن مدة إبعاده إلى مرج الزهور، وإشرافه على دور القرآن، وجمع التبرعات لصالح الأيتام، إضافة إلى مصادر التمويل الخاصة بحماس.
وبعد مرور 45 يومًا على اعتقاله؛ تقدَّمت عائلته بدعوى قضائية لمحكمة العدل العليا في رام الله، التي أصدرت قرارًا فوريًّا بالإفراج عنه في 2 نوفمبر 2008؛ لكن الوقائي لم يمتثل للقرار حينها، وأبقاه تحت التعذيب حتى تدهورت صحته وأصيب بجلطة دماغية مفاجئة نُقِل إثرها إلى مستشفى "عالية" الحكومي في الخليل ليمكُث أسبوعاً، ثم أعيد إلى الزنزانة.
وحشية أجهزة السلطة لم تتوقف عند هذا الحد، بل تعمد جهاز الوقائي الإهمال الطبي بحقه، وبعد قرابة تسعة أشهر من اختطاف الشيخ أفرج الوقائي عنه، لكن سوء وضعه استوجب نقله إلى مستشفى "المدينة الطبية" في الأردن للعلاج لمدة 21 يوماً.
وفي منتصف يوليو 2009 قرَّر الأطباء إجراء قسطرة دماغية له، لكي يتمكن من المشي، إلا أن وضعه الصحي تدهور أكثر، وأعلن الأطباء دخوله في موت سريري، إلى أن توفي بعد 11 يوماً في الرابع من أغسطس.
ورغم مرور 12 عاما على الحادثة إلا أن تفاصيلها لاتزال عالقة بسبب تكرارها لكن الأبطال يختلفون، فالشهيد الأخير "نزار" حرك الأحرار وجعل سيرة كل الشهداء على خلفية الرأي حاضرة كأمثال مجد البرغوثي – 42 عاما –الذي قتل في مقر المخابرات الفلسطينية بعد اعتقال دام 9 أيام، حيث بقي مشبوحًا أثناء تعذيبه وذلك في فبراير 2008.
وشهد عاما 2008 – 2009 قتل 5 مواطنين على خلفية انتماءاتهم وآرائهم السياسية فبجانب أبو طعيمة والبرغوثي، هناك الشهيد محمد الحاج والشهيد هيثم عمرو والشهيد فادي حمادنة.
ولا يمكن أن ينسى الغزيون قتل ابنهم محمود الحملاوي -31 عاما- في ابريل 2019، داخل قسم شرطة بيتونيا متأثراً بجراحه التي أصيب بها "نتيجة تعرضه لتعذيب شديد".
وحشية عناصر الأجهزة الأمنية عند التحقيق مع من يخالفهم الرأي، لا يمكن تخيلها، فكل ما يسرد يأتي على لسان من حالفهم الحظ ولم يموتوا تحت التعذيب، فالأساليب لا تقل وحشية عن التي يتبعها الاحتلال الإسرائيلي عند التحقيق مع الفلسطينيين.