خلافاً لتقديرات الاستخبارات الإسرائيلية، جاء رد حزب الله على قصف الاحتلال للأراضي اللبنانية، عبر إطلاق عشرات الصواريخ باتجاه الاحتلال، ما شكل مفاجأة وصدمة للاحتلال.
التقديرات الإسرائيلية واللبنانية تشير إلى أن الحدث في الشمال انتهى، لكن هذا لا ينفي أن الجبهة الشمالية تزداد سخونة، وأن مجريات الأحداث تشي بأن تصعيداً كبيراً قد ينفجر في أي لحظة بالتزامن مع حدة الصراع الدائر في المنطقة، خاصة عقب اتهام الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي إيران بالوقوف خلف استهداف السفينة الإسرائيلية، قبالة سواحل سلطنة عمان.
المخاوف الكبيرة لدى الاحتلال تتمثل في أن أي تصاعد قادم قد يكون الأشرس والأوسع وقد يندلع في عدة جبهات، وهو ما يناقشه الاحتلال بكثافة خلال السنوات الأخيرة ويتعامل معه كسيناريو خطير.
نائب رئيس الأركان الإسرائيلي، آيال زامير، تحدث عن قصور «الكتلة الحرجة» في الجيش الإسرائيلي عن مواجهة حرب متعدّدة الساحات وهو حديث أثار جدلاً واسعاً لدى الاحتلال، خصوصاً أنه اعترف بصوره غير مباشره بفشل جيش الاحتلال في سباق الجهوزية مع قوى المقاومة في غزة، التي فرضت على جيش الاحتلال تحدّيات جديدة في معركة "سيف القدس".
السؤال المهم هنا هو لماذا يخشى الاحتلال حرباً متعددة الجبهات وماذا يقصد بها؟
ويفسر الاحتلال الحرب متعددة الجبهات بأنها مقاومة مشتركة تنطلق فيها الصواريخ على الكيان من كل الجبهات المعادية له والمقصود هنا غزة وسوريا ولبنان، إلى جانب استهداف مصالحه ومناطق نفوذه في المنطقة من خلال إيران والجماعات التابعة لها في أكثر من بلد عربي، خاصة أن إيران لم ترتجف ولم تخش مواجهة أمريكا في عدة مناطق في الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة، وهو سيناريو مخيف لعدة أسباب أهمها:
أولاً: تقديرات الاحتلال تشير إلى أن هناك حالة من توحيد الجبهات ضده خاصة جبهتي سوريا ولبنان اللتين أصبحتا جبهة واحدة من بعد الحرب في سوريا، فهو يرى أنه سيواجه أشرس حرب على الإطلاق في حال اندلعت مواجهة في الشمال، معتبراً أن العلاقة أصبحت أقوى بين حزب الله وحماس وإيران.
ثانياً: حرب الجبهات تشكل حالة استنزاف للاحتلال الذي لم يخض حرباً على أكثر من جبهة منذ قيامه، واعتمد استراتيجية الحروب السريعة والخاطفة، والتي تجري على جبهة واحدة، بحيث يحقق أهدافه من الحرب خلال أقصر فترة ممكنة معتمداً على تفوقه الهائل في السلاح الجوي، والدعم الأميركي على كل المستويات خاصة العسكري.
لكن في الوقت الراهن وبعد تجربته في الحروب على قطاع غزة وحتى تجربة الحرب على لبنان صيف عام 2006، باتت لدى الاحتلال قناعة بأن سلاح الطيران لا يمكنه حسم المعركة على الأرض أياً كان تطوره، وقدرته الفائقة على ضرب الأهداف.
ثالثاً: يتحدث الاحتلال الإسرائيلي عن قدرة حزب الله وحده على إطلاق أربعة آلاف صاروخ يومياً، ما يعني أنه خلال الحرب المقبلة ستتعرض الجبهة الداخلية الإسرائيلية لآلاف القذائف والصواريخ، من بينها عشرات الصواريخ الدقيقة، وكذلك لهجمات من طائرات دون طيار من عدة جبهات في نفس الوقت- لبنان وسوريا وغرب العراق وربما غزة أيضا بحسب تقديراتهم.
واللافت أن هذه الجهات جميعها تعمل منذ سنوات على تطوير قدراتها القتالية ما يشكل تحدياً كبيراً للاحتلال.
رابعاً: ضعف التجهيزات والتحصينات وهذا يصنف بالنسبة لهم بالكارثة غير المسبوقة على الجبهة الداخلية للاحتلال، التي لم تتعافَ بعدُ من الصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في معركة (سيف القدس) قبل ثلاثة أشهر، والتي أظهرت ضعف منظومة الدفاع والتحصينات والقبة الحديدية، وبينت مدى هشاشة الجبهة الداخلية، وأثبتت عجز الاحتلال عن التصدي للصواريخ.
خامساً: ما جرى خلال اليومين الماضيين في الجبهة الشمالية يكشف الفشل الاستخباري الإسرائيلي بعدما تفاجأ الاحتلال بالقصف الصاروخي في ظل عدم توفر أي معلومة تؤكد ما ذهب إليه حزب الله.
والأكثر من ذلك أن التقديرات الأمنية والاستخبارية للاحتلال تشير إلى أن الحزب لن يذهب لأي تصعيد نتيجة الأزمة الداخلية المعقدة التي يعاني منها لبنان، وهو يضاف إلى الفشل الاستخباري الذي جرى خلال معركة سيف القدس مع المقاومة في غزة، حيث فشل الاحتلال في توقع ردة فعل المقاومة وقصف القدس رغم تحذيرها المسبق.
هذا الفشل يضع الاحتلال أمام تحدٍ خطيرٍ خلال أي مواجهة قادمة وهي نقص المعلومات والعجز عن تقدير موقف المقاومة من التصعيد والهدوء ومنحى المعركة في حال اندلاعها.