تدخل فعاليات "الإرباك الليلي" التي تبنّاها المواطنون في بلدة بيتا جنوب نابلس شمالي الضفة الغربية شهرها الرابع، في عمل مقاوم شعبي نوعي شكل تطوراً مهماً في عمل المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي يعزز سياسته الاستيطانية في كل أراضي الضفة.
فعاليات الإرباك الليلي التي مثلت محاكاة لتجربة المقاومة الشعبية في قطاع غزة، باتت تجربة ملهمة بعد أن نجحت في خلق أدوات جديدة ومتنوعة في المقاومة الشعبية وربما أكثر نجاعة في مواجهة عصابات المستوطنين وجيش الاحتلال، بهدف إخلاء بؤرة استيطانية أقامها الاحتلال ومستوطنوه على أنقاض جبل صبيح في البلدة.
ويخطط المستوطنون، بمبادرة من جمعيات استيطانية متطرفة، للاستيلاء على مساحة تزيد عن 600 دونم من الأراضي الفلسطينية الواقعة على امتداد جبل صبيح، فوق أراضي بيتا وقبلان ويتما الفلسطينية إلى الجنوب من نابلس، لضم نحو 75 عائلة استيطانية إلى 42 عائلة تقيم حالياً في المستوطنة، الآخذة بالتوسع السريع.
وعلى مدار الفترة الماضية، تشهد البلدة مواجهة ضارية ضد الاحتلال منذ إقامة مستوطنة جبل صبيح، قبل شهر أيار (مايو) الماضي بقليل، كأول مستوطنة في بيتا بعد عدة محاولات فاشلة منذ العام 1988 حينما حاول الاحتلال تشييد أول مستوطنة في جبل العُرمة شرقي البلدة، غير أنها كانت عصيّة عليه بفضل مقاومة الأهالي وتصديهم للعدوان الإسرائيلي.
الفعاليات في بيتا لا تتوقف، وتتنوع ما بين إشعال النار في إطارات مطاطية، والنفخ في أبواق تُصدر أصواتاً مُزعجة، وتركيز مصابيح إنارة "الليزر" نحو "كرفانات" البؤرة الاستيطانية، بينما يحمل آخرون مشاعل إنارة.
تلك الأدوات البسيطة واستمرارها على مدار الشهور الماضية جعل من بيتا نموذجاً وأيقونة للمقاومة الشعبية ستشكل نواة لحالة عامة من المقاومة الشعبية في المستقبل في أراضي الضفة الغربية، فقد شكلت حالة نضالية يمكنها أن تحدث تغييراً مهماً، وذلك نتيجة عدة عوامل أهمها:
أولاً: تعتبر بيتا استنساخاً لتجربة غزة التي باتت تشكل أيقونة المقاومة في الذهن الفلسطيني والعربي، وهي أحد عناوين مسيرات العودة وكسر الحصار التي انطلقت في 30 مارس/ آذار 2018 على السياج الفاصل مع الأراضي المحتلة عام 1948، واستمرت قرابة عام ونصف، وهذا ما جعلها نموذجاً مشجعاً لأهالي بيتا.
ثانياً: الفعاليات في بيتا شكلت أسلوبًا نضاليًا جديدًا ضمن أنشطة المقاومة الشعبية للاحتلال، وخصوصاً النشاط الاستيطاني، بهدف إزعاج المستوطنين ودفعهم إلى الرحيل، وإخلاء البؤرة الاستيطانية الجديدة، وهو الأسلوب الأنسب لبيئة الضفة في الوقت الراهن، حيث أن الطبيعة الأمنية والسياسية في ظل غياب العمل المباشر والمسلح، دفع للبحث عن بدائل، فكان "الإرباك الليلي".
ثالثاً: جاءت فعاليات بيتا لتمنح أهالي الضفة أسلوباً جديداً يخرجها من حالة العجز ويقدم لها دفعة جديدة فيما يتعلق بقدرتها على مواجهة الاحتلال، خاصة أن جميع المؤسسات والهيئات في الضفة تدعو باستمرار للمقاومة الشعبية ولتبنيها كأسلوب أنسب لمقاومة الاحتلال.
ما سبق يحدث في ظل قناعة في الشارع الفلسطيني أن الوقفات السلمية والمسيرات التقليدية لن تحقق شيئاً، وهذا ما زاد من الحماس لفكرة فعاليات الإرباك الليلي وحتى معركة المقدسيين في الشيخ جراح وباب العامود.
رابعاً: تشكل المقاومة الشعبية حالة ضغط كبيرة على الاحتلال خاصة أنها تحيّد إلى حد كبير القوة العسكرية الكبيرة للاحتلال الإسرائيلي في قمع المواطنين، كما تسبب إحراجاً كبيراً له.
خامساً: تسمح بمشاركة جميع أطياف الشعب الفلسطيني في هذا النوع من المقاومة بخلاف المقاومة المسلحة التي تحتاج إلى قدرات مختلفة من حيث التدريب والتسليح والتنظيم.
ورغم العوامل السابقة إلا أن المقاومة وإن كانت شعبية إلا أنها تحتاج عدة عوامل لتستمر وتشكل حالة ضغط كبير وحقيقي في الضفة، ومنها قرار سياسي وقيادة موحدة تتبنى هذا الأسلوب من المقاومة، والتفاف جماهيري أوسع لتعمم على المناطق كافة في الضفة.