ملابس ملطخة بالدم ووصية ودفتر مذكرات، ومصحف من الأب الشهيد للشهيد الابن، صورة ليست نادرة على الشعب الفلسطيني ولكنها صعبة التكرار في أزمنة قصيرة. فمن هو الشهيد نصر جرار والد الشهيد أحمد؟ وكيف يستحضره التاريخ؟
يعد الشهيد نصر جرار أحد أبرز قادة كتائب عز الدين القسام وأحد مهندسي عمليات المقاومة وتصنيع العبوات الناسفة في الضفة المحتلة، نجا من عدة محاولات اغتيال وقضى أكثر من 15 عاما في الأسر، ويذكر يوم استشهاده كواحدة من الملاحم الأسطورية التي سطرها مقاومو الشعب الفلسطيني.
ففي يوم الأربعاء (14-8-2002) طوقت قوات كبيرة من جيش الاحتلال بالدبابات والمدرعات المنزل الذي تحصن فيه الشهيد نصر مع مجوعة من كتائب القسام، حينما بادر الشهيد، مبتور الساقين وإحدى اليدين، أعداءه بإطلاق النار لتغطية انسحاب من كان معه من المقاومين، ونجحت خطته بخداع جنود الاحتلال عندما اعتقدوا أن من بداخل المنزل قرر المواجهة، فبدأوا بإطلاق النار والقذائف تجاه المنزل، في حين استطاع مرافقو الشهيد نصر الانسحاب بسلام، بينما استدعت قوات الاحتلال طائرة لقصف المنزل، قبل أن يتعرض للهدم الكامل بالجرافات الصهيونية، ليرتقي بذلك نصر جرار إلى العلا شهيدًا.
لم تكن هذه محاولة اغتياله الأولى، فالشهيد نصر - ابن وادي برقين – تعرض لمحاولتي اغتيال فاشلتين إحداهما كانت خلال اجتياح قوات الاحتلال لمخيم جنين ضمن عملية "السور الواقي" عام 2002.
هناك في مخيم جنين، كان الشهيد نصر، وهو من كان يصفه الاحتلال بخليفة المهندس يحيى عياش والقائد محمود أبو هنود، يوجه رفاقه المقاومين ويهندس لهم عبواتهم الناسفة، إلى أن قصفت طائرات الاحتلال المكان الذي تواجد فيه بثلاثة صواريخ، إلا أن سقف المنزل لم ينزل عليه مباشرة، وإنما سقط بشكل مثلث، وعندما تفقد الناس مكان القصف في اليوم التالي وجدوه ولم يظهر سوى رأسه وقد أغمي عليه.
محاولة الاغتيال الأولى كانت عام 2000 حينما استطاع الانسحاب بسلام بعد أن قامت قوات الاحتلال بتطويق منطقة سكناه في وادي برقين، إلا أنها لم تنجح، وكان الشهيد على موعد آخر في العام ذاته ليتعرض لحادثة انفجار عبوة ناسفة على الشارع الالتفافي أثناء إحدى مهمات المقاومة، أسفرت هذه الحادثة عن بتر يده اليمنى وساقه اليسرى من الفخذ وبقي ملقى على الأرض لمدة ساعتين قبل أن ينال فرصة لإسعافه ونقله للمستشفى.
لم تكن تجربة الشهيد مع السجن أسهل من تجربته في العمل المقاوم، فقد تعرض لتحقيق قاس لمدة 98 يوما لاتهامه بالوقوف خلف عملية الخضيرة التي نفذها الاستشهادي رائد زكارنة، إلا أن الشهيد نصر لم يستسلم ولم يعترف، فعوقب بالسجن الإداري لفترة زادت عن أربع سنوات.
يذكر النائب في المجلس التشريعي فتحي القرعاوي حادثة الاعتقال هذه في إحدى مشاركاته على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، مشيرا إلى أن الشهيد مكث في الزنزانة حبسا انفراديا لفترة طويلة، ثم أدخل عليه شخص لم يكن يعرفه من قبل، استمر معه أربعين يوما متواصلة، تجاذبا خلالها أطراف الحديث وكثيرا من النقاشات، ليكتشف بعدها أن ضيفه كان ضابط تحقيق لم يستطع أن يسحب من تحت بساطه أي معلومة.
ولكن لم تكن هذه أول تجربة للشهيد مع الأسر، فقد بدأت رحلته مبكرا عام 1978، حكم حينها بالسجن لمدة عشرة أعوام بتهمة تشكيل خلية مسلحة وإلقاء قنبلة مولوتوف على شركة باصات إسرائيلية، وتنظيم مظاهرات ضد الاحتلال.
لم يقدر للشهيد نصر أن يرى ابنه الرابع محمد (2002) فقد أبصر الحياة بعد 37 يومًا من استشهاد والده، ولكنه سيرى نجله الشهيد أحمد (1991) مبكرا جدا بعد أن قضى في مواجهة دامية مع قوات الاحتلال في بلدة اليامون بعد مطاردة دامت أكثر من شهر في ظروف أمنية لا ترحم أحدا.