صورة تتوسط جدران غرفة الجلوس، هذا وجه أبي البعيد، للمرة الأولى يتمكن محمد فيها من قول "بابا" لوالده علاء، بدلًا من استخدامها لسنوات مع جده!
خمسة شهور عاش فيها الصغير مع والده علاء الأعرج قبل اعتقاله إداريًا مجددًا، فجروا الباب وسرقوا والده من حضنه، ولم يكترثوا لعمر محمد الذي لم يتجاوز الست سنوات!
يتكور الصغير محمد، 5 سنوات ونصف، حول وجعه، تلاحقه الكوابيس، يرفض العودة للمنزل، كل شيء يعيده إلى تلك الليلة العصيبة لحظة اعتقال جنود المحتل لوالده، حتى أن والدته لم تتخيل أن يصل به الحال لفقد الثقة بوعود والده المتكررة "راح أرجع أحضنك يابا"!
معركة ووعد!
المهندس علاء 34 عامًا، هو ذاك الأب المعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ 30 حزيران/ يونيو العام الحالي بعد اقتحام منزله في حي المعاجين بمدينة نابلس، والذي قرر أن يخوض معركة الإضراب عن الطعام لأجل وعدٍ كان قد قطعه لصغيره محمد بأن يعود لحضنه بسرعة!
"بدي ابني يضل بحضني" السبب الرئيسي لإضرابه وفق زوجته أسماء قزمار 30 عامًا، والتي وصلنا حجم خوفها على زوجها وطفلها معًا!
محمد يخيفه الليل، ويخيفها هي الغياب، تعود الزوجة بذاكرتها لتلك الليلة التي أغمض فيها ابنها عينيه لكي يظن الجنود أنه نائم فلا يؤذوه كما فعلوا مع والده الذي تلقى ضربات وركلات بشكل وحشي قبل اعتقاله.
وتقول أسماء "للرسالة": "أخاف على ابني بشدة، يعاني الآن من الخوف والقلق الدائم بعد إعادة اعتقال والده وتحويله للإداري بعد أشهر من اعتقاله السابق"، تُكمل وتنهيدة واحدة تعرفها بيوت المعتقلين الإداريين: "أخشى على زوجي بعد تواصل إضرابه وعزله في ظروف سيئة للغاية".
زنزانة وانتكاسة!
تصلها الأخبار من بعيد، ممنوعة هي من سماع صوته أو من زيارته، خبر ورد إليها من هيئة شؤون الأسرى والمحررين يفيد أن إدارة سجن مجدو (الإسرائيلي)، تواصل عزل الأسير المضرب عن الطعام لليوم 13 على التوالي في ظروف قاهرة للغاية.
في لغة المساحة والقياس قد تخيفك مساحة الزنزانة التي يقبع بها الأسير الأعرج ابن بلدة عنبتا شرق طولكرم، فبعد احتجاجه على الاعتقال الإداري المتواصل بحقه، قرر الاحتلال عزله في زنزانة ضيقة مساحتها 2.5م*2م مليئة بالصراصير والحشرات، وتنبعث منها روائح كريهة تكتم الأنفاس.
ينام علاء على "برش" أشبه بسرير من الباطون وسط حرارة عالية جداً لا يمكن احتمالها وفق هيئة شؤون الأسرى، ولا تحتوي الزنزانة إلا على نافذة واحدة بعرض 20سم لا تدخل الهواء، ما يفاقم معاناة الأسير الذي يعاني مسبقا من مشاكل وأزمة بالتنفس.
لا يكاد يمر على الإفراج عن علاء سوى أشهر معدودة، حتى تعاود قوات الاحتلال اعتقاله من منزله، وتحويله للاعتقال الإداري، الأمر الذي أصاب طفله الوحيد بانتكاسة جديدة.
تحاول والدة محمد أن توصل لنا حالته بعد تلقيه خبر اضراب والده، فتقول: "عندما أدرك معنى الإضراب عن الطعام، انفجر بالبكاء ورفض تناول وجباته".
لم يستوعب عقله معنى الامتناع عن الطعام لأجل العودة للمنزل!، بات يخشى هذا الصغير على والده بشكل كبير، لاسيما أنه اعتاد عليه في البيت لخمسة أشهر كما أخبرتنا أمه.
يجلس في حضنه لساعات، يظل في حالة من ترديد كلمة "بابا" كأنه يتعلمها لأول مرة، يخاف أن يختفي عن حياته فجأة! لقد اختفى بابا مجددًا يا محمد!
يناضل علاء الآن، يتألم هذا الأب، ساعةٌ واحدةٌ من الإضراب تعادل سنوات عمره، يحارب لأجل ضحكة صغيرة لابنه، وحرية يعيش لأجلها الثوار ولا يكل أحدهم إن غادرت أرواحهم الجسد دونها!