لا يكاد أهالي منطقة "ود العقلي" الواقعة جنوب العاصمة السودانية (الخرطوم) ينامون الليل بسبب حالة من القلق متنامية مبعثها مياه النيل الأبيض التي تهدد المنطقة وعشرات القرى المحاذية للنيل وحتى البعيدة منه نسبيا في موسم الفيضان السنوي.
ورغم مساعي الأهالي المتواضعة وتحركات السلطات المحلية التي بدأت باكرا لمحاصرة خطر الفيضان، فإن المياه المندفعة حطمت الجسور الترابية التي شيّدها الأهالي وتوغلت إلى الأحياء من دون أن تحدث خسائر كبيرة مقارنة بما حلّ بالأهالي جراء فيضان العام الماضي.
ويشير التقرير اليومي لموقف الفيضان، الذي تصدره وزارة الري، إلى استقرار مناسيب النيل بمعظم القطاعات، عدا قطاع "عطبرة-مروي" شمالي البلاد حيث شهد ارتفاعا بمعدل 10 سنتيمترات، في حين شهد قطاع "شندي-عطبرة" ارتفاعا بمعدل 3 سنتيمترات.
نسب متفاوتة
وسجل منسوب النيل أول أمس الجمعة عند محطة الخرطوم 17.02 مترًا، وهو أقل من أعلى منسوب للفيضان بـ64 سنتيمترا.
في حين سجلت محطة عطبرة في شمال البلاد 16.10 مترا وهو أقل من أعلى منسوب بـ54 سنتيمترا، وسجلت محطة شندي 17.83 مترًا وهو أقل من أعلى منسوب بـ61 سنتمتيرا.
وبلغ الإيراد عند الحدود السودانية الإثيوبية في النيل الأزرق أول أمس الجمعة 629 مليون متر مكعب، في حين سجل نهر عطبرة 403 ملايين متر مكعب والنيل الأبيض 135 مليون متر مكعب.
وحسب رئيس لجنة الفيضان بوزارة الري السودانية عبد الرحمن صغيرون، فإن نهر النيل يشهد استقرارا، ما عدا الجزء المؤثر في نهر عطبرة بسبب زيادة معدلات الأمطار خلال الأيام الماضية بأعالي نهر عطبرة، وذلك رغم بدء التخزين هناك منذ 16 أغسطس/آب الجاري، ولكن أثر الزيادة في القطاع ظهر بشكل واضح.
ويوضح صغيرون للجزيرة نت أن النيل الأبيض يشهد واردا كبيرا من المياه، شارف معه خزان جبل أولياء الواقع جنوب الخرطوم على الامتلاء بالكامل، ما سيلقي بآثار على قاطني ضفاف النيل من جبل أولياء حتى الخرطوم.
ويشير المسؤول إلى محاولات لتخفيف المياه خلف خزان الروصيرص الواقع على النيل الأزرق بحيث لا يزيد تصريف المياه على 570 مليون متر مكعب للحد من الضغط على الخرطوم.
وتترقب الأنظار باهتمام الأسبوع الأخير من شهر أغسطس/آب، إذ يتوقع أن يبلغ الفيضان ذروته، وإذا كانت كميات المياه كبيرة فإنه قد يستمر طوال شهر سبتمبر/أيلول. ويلفت صغيرون في هذا السياق إلى أن كمية المياه الواردة خلال الفترة من الأول من يوليو/تموز إلى 20 أغسطس/آب أقل فقط بواحد مليار متر مكعب عن العام السابق، وهذا يشير إلى فيضان عالي المستوى.
دعوات لجسر خرساني
ويقول مسؤول في لجنة الطوارئ بمحلية الكلاكلة للجزيرة نت إن الاستعدادات لفيضان النيل الأبيض بدأت منذ مارس/آذار الماضي بتشييد حاجز بارتفاع نحو مترين، لكن ازدياد مستوى المياه أدى إلى جرف الحاجز الذي لم يكن محميا بأساس متين في القاعدة، وهو ما أدى إلى تأثر أحياء في مناطق الشقيلاب والكلاكلة جنوب الخرطوم المحاذية للنيل.
ويفيد المسؤول بأن قوات الدفاع المدني تدخلت الأسبوع الماضي ومدّت سكان تلك المناطق بجوالات ترابية لإعانتهم على تشييد جسور تساعد على الحركة وسط هذه الأحياء.
ومع تأكيده أن الضرر الحالي يعدّ أخف مما شهده العام الماضي حين فاض النيل بكميات كبيرة، إلا أنه يلفت إلى أن التوقعات بتسجيل مناسيب فيضان عالية ما زالت قائمة خلال الأسبوع الأخير من الشهر الجاري، وحينئذ سيكون الوضع خارج السيطرة باعتبار أن السلطات استنفدت كل تحضيراتها.
ويؤكد طلال إسماعيل الذي يقع منزله بمحاذاة النيل الأبيض بمنطقة القصيرة جنوب الخرطوم أن الوضع في العام الحالي يعدّ أفضل مقارنة بالعام السابق حين جرفت المياه منزلهم بنحو شبه كامل، فأعادوا تشييده بطريقة حدّت من الخطر كثيرا هذه المرة، كما يقول.
ويشير إلى أن معدل المياه كان مرتفعا الأسبوع الماضي بعد زيادة معدل التصريف في خزان جبل أولياء من 69 مليار متر مكعب إلى 91 مليارا، وهو ما فاقم معاناة قاطني القرى المحاذية للنيل الأبيض بعد انهيار الجسور الرملية، ويؤكد أن توجيهات رسمية لاحقة أسهمت في تقليل معدل تصريف الخزان ما أدى إلى نوع من الاستقرار في المناسيب.
وناشد السلطات المحلية بإقامة جسر خرساني على شريط النيل الأبيض لمنع تجدد الخسائر سنويا على سكان المنطقة.
ويوضح إسماعيل في حديثه للجزيرة نت أن أي زيادة في معدل تصريف الخزان من شأنها مفاقمة الوضع، وأن كثيرا من المنازل المحاصرة حاليا بالمياه تضرر بعضها بنحو جزئي.
خنق النيل
ويشدد صغيرون على ضرورة أن تكون الاستعدادات لتلافي خطر الفيضان قبل حلول موسم الخريف، لا سيما أن الفيضان ظاهرة طبيعية تستدعي التعامل معها بتخطيط يمنع العمران في محيط النيل، في حين يثبت الواقع على الأرض أن "العمران خنق النيل" كما يقول، ويلفت إلى أن الخطورة الأكبر تكون في فيضان الأودية التي يصعب التحكم فيها وتترك خلفها آثارا مدمرة لأنها دائما تكون بفعل البشر.
والخميس الماضي وقف وزير الزراعة الطاهر حربي، ووزير الري ياسر عباس، مع عدد من المسؤولين في الوزارتين على الضرر الكبير الذي ألحقته فيضانات الأودية بمنطقة الفاو الواقعة في ولاية القضارف شرقي السودان، بعد أن تسببت الفيضانات العنيفة التي ضربت تلك الجهات أواخر يوليو/تموز الماضي في تشريد ما لا يقل عن 10 آلاف أسرة فضلا عن إيقاعها خسائر مادية كبيرة لا سيما في هيئة الرهد الزراعية قدّرت مبدئيا بنحو تريليون جنيه سوداني (الدولار يساوي 440 جنيها).
واجتاحت السيول والفيضانات القادمة من منطقة وادي البار ووادي السماء مدينة الفاو (الواقعة في ولاية القضارف شرقي السودان) على مدى 5 أيام متوالية، وغمرت المياه نحو 20 ألف منزل.
وأفاد مسؤولون بأن السبب الرئيس في تدفق السيول والفيضانات يعود إلى التحولات البيئية التي أسهمت فيها الزراعة شمال خط المرعي بأودية البطانة وسهولها، إذ غيرت مجرى الجداول الرئيسة بالبطانة وأدت إلى توجهها نحو الفاو.
المصدر: الجزيرة