بكل غطرسة، سعت السلطة بأجهزتها الأمنية السيطرة على العملية الانتخابية لنقابة المهندسين في الضفة المحتلة، فقبل موعد الانتخابات التي جرت الخميس الماضي، اتبعت سياسة الترغيب والترهيب على حد سواء، فأرسلت لكل مهندس عبر هاتفه المحمول رسالة مفادها "ترقيتك ووظيفتك مرتبطة حصراً بدعم قائمة فتح"، ووعدت المهندسين الجدد بالوظائف.
وبشكل علني، كان العنوان الرئيسي للانتخابات النقابية هذه المرة "نقابي تابع للسلطة يأتمر بأمرها ويبيع حقوق المهندسين مقابل امتيازات، أو نقابي يواجه ويتحدى ويضرب على الطاولة دفاعًا عن حقوق من انتخبوه".
تلك التهديدات لم تفلح فأظهرت نتائج انتخابات نقابة المهندسين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، فوز قائمة العزم الهندسية "تحالف حركتي حماس والجبهة الشعبية" برئاسة نقابة المهندسين، وخسارة حركة فتح التي هيمنت على النقابة لسنوات طويلة.
وحظيت ممثلة قائمة العزم، نادية حبش، بمنصب نقيب المهندسين للدورة العشرين 2021 - 2024، فيما فاز المهندس أحمد الرجوب بمنصب نائب النقيب، وعلاء زهير نائباً للسر، ورياض عبد الكريم أميناً للصندوق.
وشارك في العملية الانتخابية حوالي 11 ألف مهندساً تنطبق عليهم شروط العضوية، بالإضافة إلى تنافس قائمتين هما "العزم المهنية" و "المهندس الفلسطيني" إلى جانب مجموعة من المرشحين المستقلين.
وتجدر الإشارة إلى أن عصا السلطة الأمنية لاحقت حرية المرشحين وحاولت التشويش عليهم فترة التحضير للانتخابات، فمنعت الكتل المعارضة من عقد لقاء مع المهندسين، في الوقت الذي سمح فيه لكتلة فتح بدخول المؤسسات كافة وسط تسهيلات ودعم لوجستي كبير.
ورغم محاولة تغول السلطة على النقابة، إلا أن ما كان مميزا هذه المرة أن شخصيات مستقلة ووطنية، والاتجاهات المحسوبة على التيار الإسلامي والقوى اليسارية المعارضة، تآلفت معاً في كتل مستقلة اتخذ كل منها اسماً مختلفًا في كل محافظة لانتخابات الأفرع.
وبحسب النتائج، فازت حركة فتح برئاسة 9 فروع للنقابة وهي: قلقيلة، طولكرم، طوباس، سلفيت، رام الله، القدس، بيت لحم والخليل، بينما فاز تحالف اليسار مع حماس برئاسة فرعي: نابلس وجنين.
وبهذه النتيجة تكون فتح قد حصلت على 11 مقعدا فيما حصل تحالف اليسار وحماس على 4 مقاعد من مجلس النقابة، فيما تجري الانتخابات بمشاركة مهندسي الضفة والقدس بمعزل عن قطاع غزة.
وتعتبر المهندسة نادية حبش أول امرأة مرشحة لمنصب نقيب المهندسين في تاريخ النقابات في فلسطين والمرأة الأولى والوحيدة التي تفوز برئاسة لجنة فرع لنقابة المهندسين.
ولا بد من الإشارة إلى أن المهندسة هالة حبش تم سحلها واعتقالها الشهر الماضي، خلال وقفة احتجاجية أمام مركز توقيف البالوع في البيرة.
ويرى المهندس فهد شاهين في مقال له، أن البعض حاول توظيف انتخابات نقابة المهندسين سياسياً بأكبر قدر ممكن من طرف السلطة، لكي تجدد شرعيتها السياسية المهتزة بل والمفقودة بعد انكشافها السياسي المتمثل في إلغاء الانتخابات ومقتل نزار بنات وما تبعها من قمع أمني غير مسبوق.
وقال: "باختصار فتح تعيد الأسلوب الأمني العربي الهمجي في التعامل مع كل انتخابات تماماً مثل الأنظمة الرجعية التي تسيطر على الدولة وعلى كل مؤسساتها ودكاكينها.
ويرى في مقاله أن تقييد النقابة باسم الحزب الحاكم يحول المهندس والطبيب والمحامي والأكاديمي إلى تابع وعبد مأمور لا رأي له إلا ما يصدر من البسطار الأمني الذي يتشارك وإياه في السرقة والسطو على مؤسسات البلد، ومؤكداً أن من نتائج ذلك هجرة العقول الأكاديمية المبدعة من البلاد العربية منذ 60 عاما.
يذكر أن نقابة المهندسين الفلسطينيين، التي تأسست عام 1963، تضم في عضويتها قرابة 26 ألف مهندس ومهندسة، يقوم 11 ألفاً و518 عضواً منهم بتسديد رسوم النقابة، ويحق لهم المشاركة في الانتخابات.