دون أدنى شك، تعكس نتائج الانتخابات المحلية "النقابات والاتحادات والجامعات والبلديات" دائماً توجهات الشارع الفلسطيني، كنموذج مصُغر من العملية الديمقراطية للانتخابات التشريعية والرئاسية التي من المفترض أن تجري بشكل دوري دون تعطيل.
وشكلت خسارة قائمة "المهندس الفلسطيني" التابعة لحركة فتح، أمام قائمة العزم وهي (تحالف بين حركتي حماس والجبهة الشعبية) بانتخابات نقابة المهندسين الفلسطينيين في الضفة المحتلة، فارقاً كبيراً بعد حصول القائمة الأخيرة على منصب النقيب ونائبه.
وأُعلن مساء الخميس، فوز قائمة "العزم" بانتخابات نقابة المهندسين الفلسطينيين، على قائمة "المهندس الفلسطيني" التي هيمنت على النقابة منذ سنوات طويلة، وبناء على هذه النتيجة تتولى الدكتورة نادية حبش منصب رئيس نقابة المهندسين كأول سيدة، وهي محاضرة في جامعة بيرزيت.
ويمكن القول إن ثمة دلالات على نتائج هذه الانتخابات يمكن قراءتها على النحو الآتي:
أولا: هذه أوّل انتخابات تحدُث بعد جُملة من الأحداث والمُتغيّرات التي وقعت في الفترة الأخيرة، أبرزها انتصار معركة سيف القدس التي خاضتها المقاومة في قطاع غزة ضد الاحتلال، وتأتي أيضا عقب جريمة اغتيال أجهزة أمن السلطة للمعارض السياسي بالضفة نزار بنات.
وهو ما يدلل على أن الفوز يأتي تتويجاً للانتصار ودعماً لخيار المقاومة الفلسطينية من الشارع الفلسطيني عموما والنقابات والهيئات المحلية على وجه الخصوص، وهي تجربة تعكس مدى إمكانية ما يمكن أن يحققه خيار المقاومة من فوز حال جرت الانتخابات التشريعية والرئاسية العامة، والتي عطلها رئيس السلطة، خشية الخسارة.
ومن المهم قوله، إن هذه الانتخابات تمثل قياساً للمزاج العام الشعبي والتوجه داخل الشارع ورغبته في اختيار ممثليه، وهي تكون محط أنظار المراقبين الدوليين والإقليميين؛ لقياس الجهة التي سترجح لها كفة الفوز حال أجريت الانتخابات العامة.
ثانيا: فوز الدكتورة نادية حبش بمنصب رئيس نقابة المهندسين على وجه الخصوص، وهي معتقلة سابقة لدى أجهزة أمن السلطة وجرى سحلها على خلفية مشاركتها في المظاهرات المنددة بجريمة اغتيال الناشط بنات، يعني أن هناك حالة رفض شعبي ومجتمعي على سلوك القمع ومنهج التنسيق الأمني الذي تنتهجه تلك السلطة.
ثالثا: اللافت أيضا خلال هذه الانتخابات النقابية، أن القمع ورفض الآخر سلوك تستمر فيه حركة فتح وعناصرها التي اقتحمت قاعات فرز الأصوات ورفضت قبول نتيجة خسارتها!
وتحاول الحركة تسويق أنها الفائزة في الانتخابات على اعتبار أنها تمتلك الأغلبية في النقابة، وهو ما يعكس سلوك "فتح" في عدم تقبل الآخر والتسليم بنتائج أي انتخابات حتى وإن كانت تجري تحت سلطتها.
رابعا وأخيرا: العملية الديمقراطية وتوجه الشارع الفلسطيني نحو خيار المقاومة، يدلل على رفض خيار التسوية وفساد السلطة وحكم الديكتاتور، ويتطلب تعميم التجربة على باقي مرافق النظام المحلي وصولاً إلى الانتخابات العامة.
ويؤكد ذلك الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، الذي يرى أن المواطن الفلسطيني بمختلف شرائحه يرفض حالة التفرد والدكتاتورية التي عليها السلطة، ويختار ما يراه مناسباً رغم كل التهديدات والعقبات.
ويوضح الصواف في حديثه لـ"الرسالة" أن الاختيار يعكس رغبة الفلسطينيين في التغيير واختيار من يمثلهم، مستبعداً أن تفهم حركة فتح الرسالة وتستفيد من التجربة.
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أن الانتخابات تدلل على أنه لا يمكن لأي أحد أن يمتلك رغبة المواطن إلا من خلال العملية الديمقراطية، وهو ما يعزز ضرورة التوجه لشراكة وطنية تعكس الواقع الاجتماعي.
ويبين عوكل في حديثه لـ"الرسالة" أن انتخابات المهندسين تدلل على أنه لا أحد يستطيع إلغاء الآخر، والديمقراطية مطلوبة ويجب أن تعمم العملية وتشكل دافعاً لاستكمال الانتخابات العامة على مبدأ الشراكة وبعيداً عن مقياس الفوز والخسارة.
ويشير إلى أن نجاح انتخابات المهندسين يعد مؤشراً إيجابياً يجب أن يتوسع ويشمل النقابات والاتحادات والبلديات المحلية كافة.